الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٥٥
أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به الحدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون. أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون. أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون.
____________________
قلت: أي نكتة في نقل الإخبار عن الغيبة إلى التكلم عن ذاته في قوله: فأنبتنا؟ قلت: تأكيد معنى اختصاص الفعل بذاته والإيذان بأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والروائح والأشكال مع حسنها وبهجتها بماء واحد لا يقدر عليه إلا هو وحده، ألا ترى كيف رشح معن الاختصاص بقوله (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) ومعنى الكينونة الانبغاء، أراد أن تأتى ذلك محال من غيره، وكذلك قوله - بل هم - بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم. والحديقة: البستان عليه حائط، من الإحداق وهو الإحاطة. وقيل ذات لأن المعنى جماعة حدائق ذات بهجة كما قال النساء ذهبت والبهجة الحسن لأن الناظر يبتهج به (أإله مع الله) أغيره يقرن به ويجعل شريكا له. وقرئ أإلها مع الله بمعنى أتدعون أو أتشركون، ولك أن تحقق الهمزتين وتوسط بينهما مدة وتخرج الثانية بين بين (يعدلون) به غيره أو يعدلون عن الحق الذي هو التوحيد (أمن جعل) وما بعده بدل من - أمن خلق - فكان حكمهما حكمه (قرارا) دحاها وسواها للاستقرار عليها (حاجزا) كقوله برزخا. الضرورة: الحالة المحوجة إلى اللجأ والاضطرار افتعال منها، يقال اضطره إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر، والمضطر: الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إلى الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما:
هو المجهود. وعن السدى: الذي لا حول ولا قوة، وقيل المذنب إذا استغفر. فإن قلت: قد عم المضطرين بقوله - يجيب المضطر إذا دعاه - وكم من مضطر يدعوه فلا يجاب؟ قلت: الإجابة موقوفة على أن يكون المدعو به مصلحة ولهذا لا يحسن دعاء العبد إلا شارطا فيه المصلحة، وأما المضطر فمتناول للجنس مطلقا يصلح لكله ولبعضه فلا طريق إلى الجزم على أحدهما إلا بدليل، وقد قام الدليل على البعض وهو الذي إجابته مصلحة فبطل التناول على العموم (خلفاء الأرض) خلفاء فيها، وذلك توارثهم سكناها والتصرف فيها قرنا بعد قرن، أو أراد بالخلافة الملك والتسلط. وقرئ يذكرون بالياء مع الإدغام وبالتاء مع الإدغام والحذف وما مزيدة: أي يذكرون تذكرا
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»