الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٥١
قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون. قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون.
قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون. وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض.
____________________
أحسن الناس ساقا وقدما لا أنها شعراء، ثم صرف بصرده وناداها (إنه صرح ممرد من قوارير) وقيل هي السبب في اتخاذ النورة أمر بها الشياطين فاتخذوها، واستنكحها سليمان عليه السلام وأحبها وأقرها على ملكها وأمر الجن فبنوا لها سيلحين وغمدان، وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له. وقيل بل زوجها ذا تبع ملك همدان وسلطه على اليمن، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يطيعه فبنى له المصانع ولم يزل أميرا حتى مات سليمان (ظلمت نفسي) تريد بكفرها فيما تقدم، وقيل حسبت أن سليمان عليه السلام يغرقها في اللجة فقالت:
ظلمت نفسي بسوء ظني بسليمان عليه السلام. وقرئ أن اعبدوا بالضم على اتباع النون الباء (فريقان) فريق مؤمن وفريق كافر، وقيل أراد بالفريقين صالح عليه السلام وقومه قبل أن يؤمن منهم أحد (يختصمون) يقول كل فريق الحق معي السيئة العقوبة والحسنة التوبة. فإن قلت: ما معنى استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة وإنما يكون ذلك إذا كانتا متوقعتين إحداهما قبل الأخرى؟ قلت: كانوا يقولون لجهلهم إن العقوبة التي يعدها صالح عليه السلام إن وقعت على زعمه تبنا حينئذ واستغفرنا مقدرين أن التوبة مقبولة في ذلك الوقت، وإن لم تقع فنحن على ما نحن عليه، فخاطبهم صالح عليه السلام على حسب قولهم واعتقادهم، ثم قال لهم: هلا تستغفرون الله قبل نزول العذاب (لعلكم ترحمون) تنبيها لهم على الخطأ فيما قالوه وتجهيلا فيما اعتقدوه. كان الرجل يخرج مسافرا فيمر بطائر فيزجره، فإن مر سانحا تيمن وإن مر بارحا تشاءم، فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر أستعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته، أو من عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة، ومنه قالوا: طائر الله لا طائرك: أي قدر الله الغالب الذي ينسب إليه الخير والشر لا طائرك تتشاءم به وتتيمن، فلما قالوا اطيرنا بكم: أي تشاءمنا وكانوا قد قحطوا (قال طائركم عند الله) أي سببكم الذي يجئ منه خيركم وشركم عند الله وهو قدره وقسمته إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم، ويجوز أن يريد عملكم مكتوب عند الله فمنه ما نزل بكم عقوبة لكم وفتنة ومنه قوله - طائركم معكم - وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه - وقرئ تطيرنا بكم على الأصل، ومعنى تطير به:
تشاءم به، وتطير منه: نفر منه (تفتنون) تختبرون أو تعذبون أو يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم الطيرة (المدينة) الحجر. وإنما جاز تمييز التسعة بالرهط لأنه في معنى الجماعة، فكأنه قيل تسعة أنفس. والفرق بين الرهط والنفر أن الرهط من الثلاثة إلى العشرة أو من السبعة إلى العشرة، والنفر من الثلاثة إلى التسعة: وأسماؤهم: عن وهب
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»