الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٥٩
وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين. إن ربك يقضى بينهم بحكمه وهو العزيز العليم.
فتوكل على الله إنك على الحق المبين. إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين. وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون.
____________________
النطيحة والرمية والذبيحة في أنها أسماء غير صفات، ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة كالرواية في قولهم ويل للشاعر من راوية السوء، كأنه قال: وما من شئ شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه الله وأحاط به وأثبته في اللوح المبين الظاهر البين لمن ينظر فيها من الملائكة. قد اختلفوا في المسيح فتحزبوا فيه أحزابا ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضا، وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا، يريد اليهود والنصارى (للمؤمنين) لمن أنصف منهم وآمن: أي من بني إسرائيل أو منهم ومن غيرهم (بينهم) بين من آمن بالقرآن ومن كفر به. فإن قلت: ما معنى يقضى بحكمه ولا يقال زيد يضرب بضربه ويمنع بمنعه؟ قلت: معناه بما يحكم به وهو عدله لأنه لا يقضى إلا بالعدل فسمى المحكوم به حكما، أو أراد بحكمته وتدل عليه قراءة من قرأ بحكمه جمع حكمة (وهو العزيز) فلا يرد قضاؤه (العليم) بمن يقضى له وبمن يقضى عليه، أو العزيز في انتقامه من المبطلين العليم بالفصل بينهم وبين المحقين. أمره بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين، وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج الذي لا يتعلق به الشك والظن، وفيه بيان أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع الله وبنصرته وأن مثله لا يخذل.
فإن قلت: (إنك لا تسمع الموتى) يشبه أن يكون تعليلا آخر للتوكل فما وجه ذلك؟ قلن: وجهه أن الأمر بالتوكل جعل مسببا عما كان يغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة المشركين وأهل الكتاب من ترك اتباعه وتشييع ذلك بالأذى والعداوة، فلاءم ذلك أن يعلل توكل متوكل مثله بأن اتباعهم أمر قد يئس منه فلم يبق إلا الاستنصار عليهم لعداوتهم واستكفاء شرورهم وأذاهم، وشبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس لأنهم إذا سمعوا ما يتلى عليهم من آيات الله فكانوا أقماع القول لا تعيه آذانهم وكان سماعهم كلا سماع، كانت حالهم لانتفاء جدوى السماع، كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع وكذلك تشبيههم بالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون، وشبهوا بالعمى حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم وأن يجعلهم هداة بصراء إلا الله عز وجل. فإن قلت: ما معنى قوله (إذا ولوا مدبرين)؟ قلت: هو تأكيد لحال الأصم، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولى عنه مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته. وقرئ ولا يسمع الصم وما أنت بهاد العمى على الأصل وتهدى العمى. وعن ابن مسعود، وما أن تهدى العمى وهداه عن الضلال كقولك سقاه عن العيمة: أي أبعده عنها بالسقى وأبعده عن الضلال بالهدى (إن تسمع) أي ما يجدى إسماعك إلا على الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته يصدقون بها (فهم مسلمون) أي مخلصون من قوله - بلى من أسلم وجهه لله - يعنى جعله - سالما لله خالصا له. سمى معنى القول ومؤداه بالقول وهو ما وعدوا من قيام الساعة والعذاب، ووقوعه حصوله، والمراد مشارفة الساعة وظهور أشراطها وحين لا تنفع التوبة. ودابة الأرض الجساسة جاء في الحديث " أن طولها ستون ذراعا لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب " وورى " لها أربع
(١٥٩)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الضلال (1)، العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»