الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٧٠
لك من الناصحين. فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين.
ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى
____________________
يسعى إلا الوصف. والائتمار: التشاور، يقال الرجلان يتآمران ويأتمران لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشئ أو يشير عليه بأمر، والمعنى يتشاورون بسببك (لك) بيان وليس بصة الناصحين (يترقب) التعرض له في الطريق أو أن يلحق (تلقاء مدين) قصدها ونحوها. ومدين قرية شعيب عليه السلام، سميت بمدين بن إبراهيم ولم تكن في سلطان فرعون وبينها وبين مصر مسيرة ثمان وكان موسى لا يعرف إليها الطريق. قال ابن عباس: خرج وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه، و (سواء السبيل) وسطه ومعظم نهجه، وقيل خرج حافيا لا يعيش إلا بورق الشجر فما وصل حتى سقط خف قدمه. وقيل جاءه ملك على فرس بيده عنزة فانطلق به إلى مدين (ما ء مدين) ماءهم الذي يستقون منه وكان بئرا فيما روى. ووروده: مجيئه والوصول إليه (وجد عليه) وجد فوق شفيره ومستقاه (أمة) جماعة كثيفة العدد (من الناس) من أناس مختلفين (من دونهم) في مكان أسفل من مكانهم. والذود:
الطرد والدفع، وإنما كانتا تذودان لأن على الماء من هو أقوى منهما فلا يتمكنان من السقى. وقيل كانتا تكرهان المزاحمة على الماء وقيل لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم. وقيل تذودان عن وجوههما نظر الناظر لتسترهما (ما خطبكما) ما شأنكما، وحقيقته ما مخطوبكما: أي مطلوبكما من الذياد، فسمى المخطوب خطبا كما سمى الشؤون شأنا في قولك ما شأنك يقال شأنت شأنه: أي قصدت قصده. وقرئ لا نسقى ويصدر الرعاء بضم النون والياء والراء، والرعاء اسم جمع كالرخال والثناء، وأما الرعاء بالكسر فقياس كصيام وقيام (كبير) كبير السن (فسقى لهما) فسقى غنمهما لأجلهما. وروى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال، وقيل عشرة، وقيل أربعون وقيل مائة فأقله وحده. وروى أنه سألهم دلوا من ماء فأعطوه دلوهم وقالوا استق بها وكانت لا ينزعها إلا أربعون، فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة وروى غنهما وأصدرهما. وروى أنه دفعهم عن الماء حتى سقى لهما وقيل كانت بئرا أخرى عليها الصخرة، وإنما فعل هذا رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف، والمعنى: أنه وصل إلى ذلك الماء وقد ازدحمت عليه أمة من أناس مختلفة متكاثفة العدد، ورأى الضعيفتين من ورائهم مع غنيمتها مترقبتين لفراغهم، فما أخطأت همته في دين الله تلك الفرصة مع ما كان به من النصب وسقوط خف القدم والجوع، ولكنه رحمهما فأغاثهما وكفاهما أمر السقى في مثل تلك الزحمة بقوة قلبه وقوة ساعده وما آتاه الله من الفضل في متانة الفطرة ورصانة الجبلة، وفيه مع إرادة اقتصاص أمره وما أوتى من البطش والقوة وما لم يغفل عنه على ما كان به من انتهاز فرصة الاحتساب ترغيب في الخير وانتهاز فرصه وبعث على الاقتداء في ذلك بالصالحين والأخذ بسيرهم ومذاهبهم. فإن قلت: لم ترك المفعول غير مذكور في قوله يسقون وتذودان ولا نسقى؟ قلت: لأن الغرض هو الفعل لا المفعول، ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقى ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم
(١٧٠)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»