التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٣٢
قوله تعالى:
إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم (97) آيتان عند الجميع قد ذكرنا اختلافهم في (كلمة وكلمات) وإن من وحد فلانه اسم جنس. ومن جمع أراد اختلاف الألفاظ. اخبر الله تعالى " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك " يا محمد اي وجب عليه التحقيق بأنهم لا يؤمنون من غير شرط ولا تقييد، تقول: حق الامر يحق حقا. وإنما جاز وصف جملة من الكلام بالكلمة لأنه لما كان في معنى واحد صار بمنزلة الكلمة الواحدة، ولذلك قالوا في قصيدة من الشغر انها كلمة. وقوله " حتى يروا العذاب الأليم " معناه انهم إنما يؤمنون إذا شاهدوا العذاب فآمنوا ملجئين ايمانا لا ينفعهم. والرؤية في الآية رؤية العين، لأنها تعدت إلى مفعول واحد.
والعذاب وإن كان ألما وهو لا يصح ان يرى فلانه ترى أسبابه ومقدماته فصار بمنزلة ما يرى، فلذلك اخبر عنه بالرؤية له.
وقوله " ولو جاءتهم كل آية " اعلام بأن هؤلاء الكفار لالطف لهم يؤمنون عنده ايمان اختيار وإنما جاز تكليفه الا يمان باخبار الله تعالى انه لا يؤمن للانعام بالمنافع في أحوال التكليف التي لا تحصى كثرة مع ما في ذلك من اللطف لغيره.
ولا ظلم فيه لاحد. وإنما يظلم الكافر نفسه بسوء اختياره. وإنما أنث قوله " جاءتهم كل آية " لأنه مضاف إلى الآية وهي مؤنثة كما قالوا: ذهبت بعض أصابعه. ومعنى الآية الاخبار عن أن هؤلاء لا يؤمنون ايمانا يستحقون به الثواب، ولا ينافي ذلك قدرتهم على الايمان كما أنه إذا اخبر انه لا يقيم القيامة الساعة لم يمنع ذلك من قدرته على اقامتها في الحال. وقيل إن التقدير في الآية ان الذين لا يؤمنون حقت عليهم كلمة ربك.
(٤٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 ... » »»
الفهرست