التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٩٨
" وبركات عليك " معناه ونعم دائمة وخير ثابت حالا بعد حال، وأصله الثبوت، فمنه البروك، والبركة لثبوت النماء فيها قال الشاعر:
ولا ينجي من الغمرات إلا * براكاء القتال أو الفرار (1) أي الثبوت للقتال. ومعنى تبارك الله ثبت تعظيم ما لم يزل ولا يزال.
وقوله " وعلي أمم ممن معك " فالأمة الجماعة الكثيرة على ملة واحدة متفقة، لأنه من (أمه يؤمه أما) إذا قصده، أو الاتفاق في المنطق على نحو منطق الطير والمأكل والمشرب والمنكح، حتى قيل: إن الكلاب أمة. وقيل في معناه - هنا - قولان: أحدهما - أنه أراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة، فأخرج الله أمما من نسلهم وجعل فيهم البركة. وقال قوم: يعني بذلك الأمم من سائر الحيوان الذين كانوا معه، لان الله تعالى جعل فيها البركة، وتفضل عليها بالسلامة حتى كان منها نسل العالم. وقوله " وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم " معناه إنه يكون من نسلهم أمم سيمتعهم الله في الدنيا بضروب من النعم، فيكفرون نعمه ويجحدون ربوبيته، فيهلكهم الله. ثم يمسهم بعد ذلك عذاب مؤلم موجع. وإنما رفع (أمم) لأنه استأنف الاخبار عنهم.
قوله تعالى:
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين (49) آية الإشارة بقوله " تلك " إلى ما تقدم ذكره من اخبار نوح وقومه وما أحل الله بهم من الاهلاك، والتقدير تلك الانباء من أنباء الغيب، ولو قال ذلك كان جائزا، لان المصادر يكنى عنها بالتأنيث تارة وبالتذكير أخرى يقولون: قدم فلان

(1) قائله بشر بن أبي خازم اللسان (برك)
(٤٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 » »»
الفهرست