التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٣١
يأمره بان يسألهم هل هو محق فيه أم لا؟ ولا ان ما أنزله عليه صدق أم لا؟ ووجه آخر وهو انه إنما امره أن يسألهم إن كان شاكا ولم يكن شاكا فلا يجب عليه مسألتهم وهذا معنى ما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال (ما شككت ولا انا شاك).
وقوله " لقد جاءك الحق من ربك " قسم منه تعالى بأنه قد جاءك يا محمد الحق من عند ربك لان لام (لقد) القسم. وقوله " فلا تكونن من الممترين " اي لا تكونن من الشاكين. والامتراء طلب الشك مع ظهور الدليل، وهو من مري الضرع اي مسحه ليدر، فلا معنى لمسحه بعد دروره بالحلب. وقال سعيد بن جبير والحسن وقتادة وأبو عبد الله عليه السلام: لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله ويقوي ان الخطاب متوجه إلى النبي والمراد به غيره قوله بعد هذا " قل يا أيها الناس ان كنتم في شك ".
قوله تعالى:
ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين (95) آية هذا الكلام عطف على قوله " فلا تكونن من الممترين. ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله " أي من جملة من يجحد بآيات الله ولا يصدق بها فإنك ان فعلت ذلك كنت من الخاسرين. والمراد بالخطاب غير النبي صلى الله عليه وآله من جملة أمته من كان شاكا في نبوته. والنون في قوله (لا تكونن) نون التأكيد، وهي تدخل في غير الواجب لأنك لا تقول أنت تكونن، ودخلت في القسم على هذا الوجه لأنه يطلب بالقسم التصديق، وبني الفعل مع نون التأكيد لأنها ركبت مع الفعل على تقدير كلمتين كل واحدة مركبة مع الأخرى مع أن الأولى ساكنة، واقتضت حركة بناء لالتقاء الساكنين. وإنما شبه الكافر بالخاسر مع أن حاله أعظم من حال الخاسر لان حال الخاسر قد جرت بها عادة. وذاق طعم الحسرة فيها فرد إليها لبيان أمرها، وخسران النفس الذي هو أعظم منها.
(٤٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 ... » »»
الفهرست