التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٨٤
وجب استئصالهم ثم قال " ولو جعلناه ملكا لجعلناه " في صورة رجل، لان أبصار البشر لا تقدر على النظر إلى صورة ملك على هيئته للطف الملك وقلة شعاع أبصارنا وكذلك كان جبرائيل (ع) يأتي النبي صلى الله عليه وآله في صورة دحية الكلبي، وكذلك الملائكة الذين دخلوا على إبراهيم في صورة الأضياف حتى قدم إليهم عجلا جسدا، لأنه لم يعلم أنهم ملائكة، وكذلك لما تسور المحراب على داود الملكان كانا في صورة رجلين يختصمان إليه. وقال بعضهم: المعنى لو جعلنا مع النبي ملكا يشهد بتصديقه (لجعلناه رجلا) والأول أصح.
وقوله " وللبسنا عليهم ما يلبسون " يقال: لبست الامر على القوم ألبسه إذا شبهته عليه، ولبست الثوب ألبسه، وكان رؤساء الكفار يلبسون على ضعفائهم أمر النبي (ع)، فيقولون: هو بشر مثلكم، فقال الله تعالى " ولو أنزلنا ملكا " فرأوا الملك رجلا ولم يعلمهم أنه ملك لكان يلحقهم من اللبس ما يلحق ضعفائهم منهم. واللبوس ما يلبس من الثياب واللباس الذي قد لبس واستعمل.
فان قيل: قوله: انه لو جعل الملك رجلا للبس عليهم يدل على أن له أن يلبس بالاضلال والتلبيس؟
قلنا: ليس ذلك في ظاهره، لأنه لم يخبر أنه لبس عليهم وإنما قال لو جعلته ملكا للبست ولم يجعله ملكا فإذا ما لبس، كما قال تعالى " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء " (1) وليس يجوز عليه اتخاذ الولد ولا الاصطفاء له بحال، فسقط ما قالوه.
قوله تعالى:
ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤن (10) آية بلا خلاف.

(1) سورة 39 الزمر آية 4.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست