التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٥٥٣
هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون (153) آية بلا خلاف.
معنى قوله " ولما سكت " سكن، وسمي ذلك سكوتا وإن كان الغضب لا يتكلم، لأنه لما كان بفورته دالا على ما في النفس من المغضوب عليه كان بمنزلة الناطق بذلك، فإذا سكنت تلك الفورة كان بمنزلة الساكت عما كان متكلما به والسكوت في هذا الموضع أحسن من السكون، لتضمنه معنى سكوته عن المعاتبة لأخيه، مع سكون غضبه. والسكوت هو الامساك عن الكلام بهيئة منافية لسببه، وهو تسكين آلة الكلام.
وإنما قيل: سكت الغضب وسكت الحزن على طريق المجاز إلا أنه في شئ يظهر أثره، فيكون بمنزلة الناطق به، قال أبو النجم:
وهمت الأفعى بأن تسيحا * وسكت المكاء أن يصيحا (1) فإن قيل: كيف جاز أن يستفزه غضب الحمية عن غضب الحكمة؟
قلنا: ليس كذلك، ولكن غضب الحكمة صحبه غضب الحمية لما توجبه الحكمة. وسكون الغضب عن موسى (ع) لا يدل على أن قومه كانوا تابوا من عبادة العجل، لأنه يحتمل أن تكون زالت فورة الغضب ولم يزل الغضب، لأنه لم يخلص توبتهم بعد.
ويحتمل أن يكون زال غضبه لتوبتهم من كفرهم، وإذا احتمل الأمران لم يحكم بأحدهما إلا بدليل.
وقوله تعالى " أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون " معناه أنه لما سكن غضبه رجع فأخذ الألواح التي كان ألقاها، وكان الألواح مكتوبا فيها ما هو هدى وحجة وبيان ورحمة للذين هم لربهم يرهبون بمعنى يخافون عقابه، ويجوز أن يقال: لربهم يرهبون، ولا يجوز يرهبون لربهم، لأنه إذا تقدم المفعول ضعف عمل الفعل فيه فصار بمنزلة ما لا يتعدى في دخول اللام عليه تقدم أو تأخر، كما قال تعالى " ردف لكم " (2).

(1) تفسير الطبري 13 / 138.
(2) سورة 27 النمل آية 72.
(٥٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 ... » »»
الفهرست