التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٥٥٠
ما نبهه عليه هارون من خوف التهمة، ودخول الشبهة عليهم بجره رأسه إليه - بأن يغفر له ولأخيه، وأن يدخلهما رحمته، والمقتضي لهذا الدعاء بالمغفرة قيل فيه قولان:
أحدهما - ما أظهره من الموجدة على هارون وهو برئ مما يوجب العتب عليه، لأنه لم يكن منه تقصير في الانكار على من عبد العجل، لأنه بلغ معهم من الانكار إلى أن هموا بقتله لشدة إنكاره، ولذلك قال " إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ".
والثاني - قال أبو علي: إنه بين بذلك لبني إسرائيل أنه لم يأخذ برأسه على جهة الغضب عليه، وإنما فعل ذلك كما يفعله الانسان بنفسه عند شدة غضبه على غيره، ولم يكن منه في تلك الحال معصية.
وكان هذا الدعاء من موسى انقطاعا منه إلى الله تعالى، وتقربا إليه لا أنه كان وقع منه أو من أخيه قبيح صغير أو كبير يحتاج أن يستغفر منه، ومن قال: إنه استغفر من صغيرة كانت منه أو من أخيه، فقد أخطأ. ويقال له:
الصغيرة على مذهبكم تقع مكفرة محبطة، فلا معنى لسؤال المغفرة لها. وقد بينا في غير موضع أن الأنبياء (ع) لا يجوز عليهم شئ من القبائح لا كبيرها ولا صغيرها لان ذلك يؤدي إلى التنفير عن قبول قولهم، والأنبياء منزهون عما ينفر عنهم على كل حال.
وقوله " وأنت أرحم الراحمين " اعتراف من موسى بأن الله تعالى أرحم الراحمين واعترافه بذلك دليل على قوة طمعه في نجاح طلبته، ولان من هو أرحم الراحمين يؤمل الرحمة من جهته ومن هو أجود الأجودين يؤمل الجود من قبله.
قوله تعالى:
إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين (151) آية بلا خلاف
(٥٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 ... » »»
الفهرست