التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٥٤٦
ومعنى قوله " سقط في أيديهم " وقع البلاء في أيديهم أي وجدوه وجدان من يده فيه، يقال: ذلك للنادم عندما يجده مما كان خفي عليه، ويقال أيضا:
سقط في يديه أي صار الذي كان يضربه في يديه.
ومعنى قوله " ورأوا " علموا " أنهم قد ضلوا " وتبينوا بطلان ما كانوا عليه من عبادة العجل والكفر والضلال، لان ما تعلق به الرؤية، لا يجوز أن يكون مدركا بالبصر، وهو معنى الجملة، وإنما يصح أن يعلم وأن يدخل على الجملة، وهي في تقدير المفرد، ومتى ظهر فساد الاعتقاد، فلا بد أن يندم صاحبه عليه، لأنه لا معنى للإقامة عليه مع توافر الدواعي إلى خلافه، كما أنه لا معنى أن يكذب على نفسه مع علمه بكذبه، غير أنه مع ظهور الضلالة لهم لم يكونوا ملجئين إلى الندم، لان الالجاء يقع إما بالعلم بالمنع أو تخوف من المضرة العاجلة أو النفع العظيم العاجل الذي مثله يلجئ، ولم يكن القوم على واحد من الامرين، لأنهم كانوا مكلفين للندم.
وفي الآية دلالة على بطلان قول من يقول لا محجوج الا عارف، لان الله وصفهم بأنهم سقط في أيديهم عندما رأوا من ضلالهم، فدل على أنهم كانوا محجوجين في ترك الضلال الذي إن لم يغفر لهم هلكوا.
وقوله " لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا " أخبار عما قال القوم حين تبينوا ضلالهم وسقط في أيديهم والتجائهم إلى الله واعترافهم بأنه ان لم يغفر لهم ربهم ويتغمدهم بمغفرته يكونوا من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بما يستحقونه من العقاب الدائم.
وقال الحسن: كلهم عبدوا العجل إلا هارون بدلالة قول موسى " رب اغفر لي ولأخي " (1) ولو كان هناك مؤمن غيرهما لدعا له، وقال الجبائي:
إنما عبد بعضهم بدلالة ما ورد من الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله فيما روي عنه في هذا المعنى.

(1) آية 150 من سورة الأعراف.
(٥٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 541 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 ... » »»
الفهرست