التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٥٠٦
والصغر والصغار الذلة، يقال: صغر الرجل يصغر صغرا وصغارا إذا ذل، وأصله صغر القدر.
وقوله تعالى " وألقى السحرة ساجدين " إنما جاء على ما لم يسم فاعله لامرين:
أحدهما - أنه بمعنى ألقاهم ما رأوا من عظيم آيات الله بأن دعاهم إلى السجود لله والخضوع له.
الثاني - أنهم لم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين، فكأن ملقيا ألقاهم، ولم يكن ذلك على وجه الاضطرار إلى الايمان، لأنه لو كان كذلك لما مدحوا عليه بل علموا ذلك بدليل، وهو عجزهم من ذلك مع تأتي سائر أنواع السحر منهم. والالقاء اطلاق الشئ إلى جهة السفل ونقيضه الامساك، ومثله الاسقاط والطرح. ومعنى الآية البيان عن حال من تيقن البرهان، فظهر منه الاذعان للحق والخضوع بالسجود لله تعالى، ولم يكن ممن تعامى عن الصواب وتعاشى عن طريق الرشاد.
وقوله تعالى " قالوا آمنا برب العالمين " حكاية لما قالت السحرة عند تبينهم الحق ووقوعهم للسجود لله تعالى واعترافهم بأنهم آمنوا برب العالمين الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وخلق موسى وهارون، والقول كلام يدل على الحكاية، ولو قيل: (تكلموا) لم يقتض حكاية كلامهم على صورته، فإذا قيل: (قالوا) اقتضى حكاية كلامهم. والايمان هو التصديق الذي يؤمن من العقاب، وهو التصديق بما أوجب الله عليهم. وقال الرماني:
يجوز أن يقال لله أنه لم يزل ربا ولا مربوب، كما جاز لم يزل سميعا ولا مسموع، لأنه صفة غير جارية على الفعل كما تجري صفة مالك على ملك يملك، فالمقدور هو المملوك. وأصل الصفة ب‍ (رب) التربية وهي تنشئة الشئ، حالا بعد حال حتى يصير إلى حال التمام والكمال، ومنه رب النعمة يربها ربا إذا تممها، وربي الطفل تربية، والله تعالى رب العالمين المالك لهم ولتدبيرهم.
(٥٠٦)
مفاتيح البحث: السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 ... » »»
الفهرست