التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٥٠٢
على أن يلقي أحدنا فيبطل ما أتى به الاخر.
وقوله " ألقوا " حكاية عن قول موسى (ع) للسحرة (ألقوا) أنتم " فلما ألقوا سحروا أعين الناس " قال البلخي: معناه غشوا أعين الناس، وقال: السحر هو الخفة، والافراط فيها حتى تخيل بها الأشياء عن الحقيقة والاحتيال بما يخفى على كثير من الناس كتغييرهم الطرجهالة والحيلة فيها ان يجعل (الطر جهالة) طاقين ويرقق بغاية الترقيق، ويجعل بين الطبقتين زيبق، فإذا وضعت في الشمس حمي الزيبق فسار بالطر جهالة، لان من طبع الزيبق إذا حمي ان يتحرك ويفارق مكانه.
وقال قوم: معناه خيلوا إلى أعين الناس بما فعلوه من لتخييل والخدع أنها تسعى، كما قال تعالى " يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (6) " وقال الرماني: معنى سحر العين قلبها عن صحة إدراكها بما يتخيل من الأمور المموهة لها بلطف الحيلة التي تجري مجرى الخفة والشعبذة مما لا يرجع إلى حقيقة، والمحدث لهذا التخيل هو الله تعالى عندما أظهروا من تلك المخاريق وإنما نسب إليهم لأنهم لو لم يعرضوا بما يعملونه لم يقع، كما لو جعل أحد طفلا تحت البرد، فمات، فهو القاتل له في الحكم، والله تعالى أماته، وإنما جاز من موسى (ع) أن يأمرهم بالقاء السحر وهو كفر لامرين:
أحدهما - إن كنتم محقين فالقوا.
الثاني - ألقوا على ما يصح ويجوز، لا على ما يفسد ويستحيل.
وقال الجبائي: هذا على وجه الزجر لهم والتهديد، وليس بأمر.
وقوله " فلما ألقوا سحروا أعين الناس " والفرق بين (لما) و (إذا) هو الفرق بين (لو) و (أن) في أن أحدهما للماضي والاخر للمستقبل، وكل هذه الأربعة تعليق أول بثان، الا ان (لو) على طريقة الشك، و (لما) يقين.
وقوله " واسترهبوهم " معناه طلبوا منهم الرهبة، وهو خلاف الارهاب،

(6) سورة 20 طه آية 66.
(٥٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 507 ... » »»
الفهرست