التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٤٦٧
ومن آمن به على الله كذبا إن عاد في ملتهم بأن يحللوا ما يحللونه ويحرموا ما يحرمونه وينسبونه إلى الله بعد إذ نجاهم الله منها.
والافتراء الكذب، ومنه الافتعال، والاختلاق وهو القطع بخبر مخبره لا على ما هو به، مشتقا من فري الأديم تقول فريت الأديم أفريه فريا.
والملة الديانة التي تجتمع على العمل بها فرقة عظيمة. والأصل فيه تكرر الامر من قولهم طريق مليل إذا تكرر سلوكه حتى توطأ، ومنه الملل وهو تكرر الشئ على النفس حتى تضجر. والملة الرماد الحار يدفن فيه الخبز حتى ينضج لتكرر الحمي عليها، ومنه المليلة من الحمى. والملة لتكرر العمل فيها على ما تأتي به الشريعة.
وقوله " بعد إذ نجانا الله منها " بإقامة الدليل والحجج على بطلانها، وعلمنا بذلك وانتهائنا عنها. وقوله " ربنا افتح " قال ابن عباس: ما كنت أدري معنى قوله " ربنا إفتح " حتى سمعت بنت سيف بن ذي يزن تقول: تعال حتى أفاتحك يعني أقاضيك.
وقوله " وما يكون لنا أن نعوذ فيها إلا أن يشاء الله ربنا " إخبار عن قول شعيب لهم أنه ليس له أن يعود في ملتهم، ويرجع فيها إلا بعد مشيئة الله ذلك. وقيل في معنى هذه المشيئة مع حصول العلم بأنه لا يشاء تعالى عبادة الأصنام والأوثان ثلاثة أقوال:
أحدها - أن في ملتهم أشياء كان يجوز أن يتعبد الله بها، فلو شاءها منهم لوجب عليهم الرجوع فيها.
الثاني - أنه إذا فعل ما شاء الله كان ذلك طاعة لله تعالى.
الثالث - أنه علق ما لا يكون بما علم أنه لا يكون على وجه التبعيد كما قال الشاعر:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب (1)

(1) مر في 4 / 430.
(٤٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 ... » »»
الفهرست