التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٥٩
بالكفر فصار حيا بالاسلام بعد الكفر، كالمصر على كفره؟!
وقوله " وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " يحتمل أمرين:
أحدهما - أن يراد به النور المذكور في قوله يسعى " نورهم بين أيديهم " (3) وقوله " يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم " (4) الثاني - أن يراد بالنور الاحكام التي يؤتاها المسلم باسلامه، لأنه إذا جعل الكافر بكفره في الظلمات فالمؤمن بخلافه.
ومن خفف حذف الياء الثانية المنقلبة عن الواو، أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب اختلفوا في من نزلت هذه الآية، فقال ابن عباس والحسن وغيرهما من المفسرين: نزلت في كل مؤمن وكافر. وقال عكرمة: نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل، وهو قوله أبي جعفر (ع). وقال الضحاك: نزلت في عمر بن الخطاب وقال الزجاج: نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وأبي جهل. والأول أعم فائدة، لأنه يدخل فيه جميع ما قالوه.
بين الله تعالى أن " من كان ميتا " يعني كافرا " فأحييناه " يعني وفقناه للايمان، فآمن أو صادفناه مؤمنا بأن آمن، لان الاحياء بعد الإماتة - ههنا - هو الاخراج من الكفر إلى الايمان عند جميع أهل العلم: كابن عباس والحسن ومجاهد والبلخي والجبائي وغيرهم.
وقوله " وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " يعني جعلنا له علماء، فسمى العلم نورا وحياة، والجهل ظلمة وموتا، لان العلم يهتدى به إلى الرشاد، كما يهتدى بالنور في الظلمات، وتدرك به الأمور كما تدرك بالحياة. والظلمة كالجهل لأنه يؤدي إلى الحيرة والهلكة، والموت كالجهل في أنه لا تدرك به حقيقة.
وإنما قال " كمن مثله في الظلمات " ولم يقل كمن هو في الظلمات، لان التقدير كمن مثله مثل من في الظلمات ويجوز أن يدل بأن مثله في الظلمات على أنه في الظلمات الا انه يزيد فائدة أنه ممن يضرب به المثل في ذلك.

(3) سورة 57 الحديد آية 12 - 13.
(4) سورة 57 الحديد آية 12 - 13.
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»
الفهرست