بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٣٨
الصورة والصفة من كل الوجوه، فسجود الكواكب والشمس والقمر تعبيره تعظيم الأكابر من الناس له، ولا شك أن ذهاب يعقوب مع أولاده من كنعان إلى مصر لأجل نهاية التعظيم له فيكفي هذا القدر في صحة الرؤيا فأما أن يكون التعبير مساويا لأصل الرؤيا في الصفة والصورة فلم يقل بوجوبه أحد من العقلاء.
الوجه الخامس في الجواب: لعل الفعل الدال على التحية والاكرام في ذلك الوقت هو السجود، فكان مقصودهم من السجود تعظيمه وهو في غاية البعد لان المبالغة في التعظيم كانت أليق بيوسف منها بيعقوب، فلو كان الامر كما قلتم لكان من الواجب أن يسجد يوسف ليعقوب.
الوجه السادس فيه أن يقال: لعل إخوته حملتهم الأنفة والاستعلاء على أن لا يسجدوا له على سبيل التواضع، وعلم يعقوب أنهم لو لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سببا لثوران الفتن وظهور الأحقاد القديمة بعد كمونها، فهو مع جلالة قدره وعظيم حقه بسبب الأبوة والشيخوخة والتقدم في الدين والعلم والنبوة فعل ذلك السجود حتى يصير مشاهدتهم لذلك سببا لزوال تلك الأنفة والنفرة عن قلوبهم.
ألا ترى أن السلطان الكبير إذا نصب محتسبا فإذا أراد تربيته مكنه من إقامة الحسبة عليه ليصير ذلك سببا في أن لا يبقى في قلب أحد منازعة ذلك المحتسب في إقامة الحسبة فكذا ههنا.
الوجه السابع: لعل الله تعالى أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها إلا هو، كما أنه أمر الملائكة بسجودهم لادم لحكمة لا يعرفها إلا هو، ويوسف ما كان راضيا بذلك في قلبه إلا أنه لما علم أن الله أمره بذلك سكت.
ثم حكى تعالى أن يوسف لما رأى هذه الحالة قال: " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا " وفيه بحثان:
الأول: (1) قال ابن عباس: لما رأى سجود أبويه وإخوته له هاله ذلك واقشعر جلده منه وقال ليعقوب: " هذا تأويل رؤياي من قبل " وأقول: هذا يقوي الجواب السابع

(1) والبحث الثاني ما تقدم من ذكر الاختلاف في مقدار المدة بين هذا الوقت وبين الرؤيا.
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»
الفهرست