بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٢٨
إيصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم من منكرات الاعمال.
إذا ثبت هذا فنقول: إن هذه المعصية التي نسبوها إلى يوسف كانت موصوفة بجميع هذه الجهات الأربعة، ومثل هذه المعصية لو نسبت إلى أفسق خلق الله وأبعدهم عن كل خير لأستنكف منه، فكيف يجوز إسناده إلى الرسول المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة؟
الثاني أنه تعالى قال في عين هذه الواقعة: " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء " وذلك يدل على أن ماهية السوء وماهيه الفحشاء مصروفة عنه، ولا شك أن المعصية التي نسبوها إليه أعظم أنواع السوء وأفحش أقسام الفحشاء، فكيف يليق برب العالمين أن يشهد في عين هذه الواقعة بكونه بريئا من السوء والفحشاء مع أنه كان قد أتى بأعظم أنواع السوء والفحشاء؟!
وأيضا فالآية تدل على قولنا من وجه آخر: وذلك لأنا نقول: هب إن هذه الآية لا تدل على نفي هذه المعصية عنه إلا أنه لاشك أنها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ ولا يليق بحكمة الله تعالى أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية عظيمة ثم إنه يمدحه ويثني عليه بأعظم المدائح والاثنية عقيب أن يحكي عنه ذلك الذنب العظيم، فإن مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب وأفحش الاعمال ثم يذكره بالمدح العظيم والثناء البالغ عقيبه، فإن ذلك يستنكر جدا فكذا ههنا.
الثالث: أن الأنبياء متى صدرت عنهم زلة أو هفوة (1) استعظموا ذلك واتبعوها بإظهار الندامة والتوبة والتواضع، ولو كان يوسف أقدم ههنا على هذه الكبيرة المنكرة لكان من المحال أن لا يتبعها بالتوبة والاستغفار، ولو أتى بالتوبة لحكى الله عنه إتيانه بها كما في سائر المواضع، وحيث لم يوجد شئ من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب ولا معصية.
الرابع: أن كل من كان له تعلق بتلك الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليه السلام عن المعصية.
واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة: يوسف، وتلك المرأة، وزوجها، والنسوة، والشهود، ورب العالمين شهد ببراءته عن الذنب، وإبليس أيضا أقر ببراءته عن المعصية،

(1) الهفوة: السقطة والزلة.
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»
الفهرست