بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٢٥
قبله، لان الله تعالى رزقه من يوسف أحسن الناس وأجملهم وأكملهم علما وفضلا وأدبا و عفافا، ثم أصيب به أعجب مصيبة وأطرفها، لأنه لم يمرض بين يديه مرضا يؤول إلى الموت فيسليه عنه تمريضه له ثم يئس منه بالموت، بل فقده فقدا لا يقطع معه على الهلاك فييأس ولا يجد أمارة على حياته وسلامته فيرجو ويطمع، فكان متردد الفكر بين يأس وطمع وهذا أغلظ ما يكون على الانسان وأنكى لقلبه، وقد يرد على الانسان من الحزن ما لا يملك رده ولا يقوى على دفعه، ولهذا لم يكن أحد منهيا عن مجرد الحزن والبكاء، وإنما نهي عن اللطم والنوح وأن يطلق لسانه بما سخط ربه، وقد بكى نبينا صلى الله عليه وآله على ابنه إبراهيم عند وفاته وقال: " العين تدمع، والقلب يخشع، ولا نقول ما يسخط الرب " وهو عليه الصلاة والسلام القدوة في جميع الآداب والفضائل; على أن يعقوب عليه السلام إنما أبدى من حزنه يسيرا من كثير، وكان ما يخبه (1) ويتصبر عليه ويغالبه أكثر وأوسع مما أظهره، وبعد فإن التجلد على المصائب وكظم الحزن من المندوب إليه، وليس بواجب لازم، وقد يعدل الأنبياء عليهم السلام عن كثير من المندوبات. انتهى كلامه رفع الله مقامه. (2) أقول: قد حققنا في بعض كتبنا أن محبة المقربين لأولادهم وأقربائهم وأحبائهم ليست من جهة الدواعي النفسانية والشهوات البشرية، بل تجردوا عن جميع ذلك، و أخلصوا حبهم وودهم وإرادتهم لله، فهم ما يحبون سوى الله تعالى، وحبهم لغيره تعالى إنما يرجع إلى حبهم له، ولذا لم يحب يعقوب عليه السلام من سائر أولاده مثل ما أحب يوسف عليه السلام وهم لجهلهم بسبب حبه له نسبوه إلى الضلال وقالوا: نحن عصبة ونحن أحق بأن نكون محبوبين له، لأنا أقوياء على تمشية ما يريده من أمور الدنيا، ففرط حبه ليوسف إنما كان لحب الله تعالى له واصطفائه إياه، ومحبوب المحبوب محبوب، فإفراطه في حب يوسف لا ينافي خلوص حبه لربه، ولا يخل بعلو قدره ومنزلته عند سيده، (3) وسيأتي الكلام

(١) هكذا في النسخ، وفى المصدر: وكان ما يخفيه.
(٢) تنزيه الأنبياء: ٤٦ - 47. م (3) وهو وجه وجيه لولا ما تقدم من الأخبار الدالة على مؤاخذته تعالى على كثرة جزعه وبكائه.
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»
الفهرست