بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ١٣٨
" وفديناه بذبح عظيم " فدل هذا على أنه لما أتى بالمأمور به وقد ثبت أنه أتى بكل مقدمات الذبح، فهذا يدل على أنه تعالى كان قد أمره بنفس الذبح، فإذا ثبت هذا فنقول: إنه تعالى نسخ ذلك الحكم قبل إثباته، وذلك يدل على المقصود.
وقالت المعتزلة: لا نسلم أن الله تعالى أمره بذبح الولد، بل نقول: إنه تعالى أمره بمقدمات الذبح، ويدل عليه وجوه:
الأول: أنه ما أتى بالذبح وإنما أتى بمقدمات الذبح، ثم إن الله تعالى أخبر عنه بأنه أتى بما امر به بدليل قوله تعالى: " وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا " وذلك يدل على أنه تعالى إنما أمره في المنام بمقدمات الذبح لا بنفس الذبح، وتلك المقدمات عبارة عن إضجاعه ووضع السكين على حلقه والعزم الصحيح على الاتيان بذلك الفعل.
الثاني: الذبح عبارة عن قطع الحلقوم، فلعل إبراهيم عليه السلام قطع الحلقوم إلا أنه كلما قطع جزءا أعاده الله التأليف، فلهذا السبب لم يحصل الموت.
والوجه الثالث: وهو الذي عليه تعويل القوم أنه تعالى لو أمر شخصا معينا بإيقاع فعل معين في وقت معين فهذا يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت حسن، فإذا نهي عنه فذلك النهي يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت قبيح، فلو حصل هذا النهي عقيب ذلك الامر لزم أحد أمرين، لأنه تعالى إن كان عالما بحال ذلك الفعل لزم أن يقال: أمر بالقبيح أو نهى عن الحسن، وإن لم يكن عالما به لزم جهل الله تعالى وإنه محال فهذا تمام الكلام في هذا الباب.
والجواب عن الأول أنا قد دللنا على أنه تعالى إنما أمره بالذبح، أما قوله تعالى: " قد صدقت الرؤيا " فهذا يدل على أنه اعترف بكون ذلك الرؤيا (1) واجب العمل به، ولا يدل على أنه أتى بكل ما رآه في ذلك المنام.
وأما قوله ثانيا: كلما قطع إبراهيم عليه السلام جزءا أعاد الله التأليف إليه فنقول: هذا باطل لان إبراهيم عليه السلام لو أتى بكل ما امر به لما احتاج إلى الفداء وحيث احتاج إليه علمنا أنه لم يأت بما امر به.

(1) في المصدر: تلك الرؤيا. م
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست