كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٧١
من الدنس فلم يزل نوره منتقلا فيهم ظاهرا بين أعينهم يدركه الناس بالمشاهدة ويرون خلو الوالد منه إذا انتقل إلى ولده رؤية حاسة وهو يزداد بالانتقال بيانا ويتضاعف بالموارثة برهانا إلى أن انتهى إلى عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف رضوان الله عليهم فعظم في وجهه وأضاء في غرته وعلمت بحاله الأحبار وأخبرت بأمره الكهان وذاع خبره في البلاد حتى روى أن أحبار يهود الشام كانت عندهم جبة مغموسة في دم يحيى بن زكريا عليهم السلام وكانوا قد وجدوا في كتبهم ان إذا رأيتم الجبة بيضاء والدم يقطر فاعلموا ان أبا النبي محمد المصطفى قد ولد فلما رأوا ذلك من حالها وتحققوا ولادة عبد الله بن عبد المطلب عمدوا بأجمعهم إلى الحرم ليغتالوه ويغتنموا الظفر به فيقتلوه فصرف الله سبحانه كيدهم وردهم خائبين إلى بلادهم وكانوا إذا سئلوا عنه قيل لهم تركناه نورا يتلألأ في قريش تلألؤ القمر فيقول الأحبار ليس ذلك النور لعبد الله إنما هو لولده محمد صلى الله عليه وآله ثم ترجع في كفرها وعنادها فإذا تأملت الحال وأفاقت للاستدلال قالت هو هو ورب موسى و قيل إن الكهنة اجتمعت فقالت نحن نتخوف لتزايد نور عبد الله ان يغلب كهانتنا وروي ان نساء قريش افتتن به وكن يتعرضن به في طريقه حتى لقي منهن ما لقي يوسف عليه السلام من امرأة العزيز وهو لا يلوي عليهن ويقول لهن ليس لي سبيل إلى كلامكن حتى ورد في الحديث ان الجواري الابكار كن يقفن في طريقه وإذا رمن كلامه تصورت الملائكة لهن في صورة مفزعة يصدونهن عنه فيرجعن مذعورات فزعات ثم إن وهب بن عبد مناف لما رأى عظم امره وجلالة قدره اجتهد في تزويجه آمنه ابنته وراسل في ذلك عبد المطلب رضوان الله عليه فزوجه بها ونقل الله تعالى نور نبيه صلى الله عليه وآله إليها فحملت به في ليلة الجمعة لتسع خلون من ذي الحجة ليلة عرفة وقيل بل في أيام التشريق وذلك بمنى عند الجمرة الوسطى وكانت منزل عبد الله بن عبد المطلب فروي عنها من الآيات التي شاهدتها ليلة حملها به وعند ولادتها ما يطول ذكره فكان مما قالت إنه اتاني المخاض وانا وحدي فلما وضعته صلى الله عليه وآله رايته ساجدا قد رفع إصبعه إلى السماء كالمبتهل المتضرع ثم غشتني سحابة غيبته عن عيني وسمعت منها كلاما ثم أعيد إلي وهو مدرج في ثوب صوف أشد بياضا من الثلج وتحته حريرة خضراء وولد صلى الله عليه وآله طاهرا مطهرا فكان من دلائل ولادته خمود نيران المجوس وتزعزع أسرة الملوك وكلام كثير من الدواب وسقوط الأوثان من البيت الحرام وروي عن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال كنت في تلك الليلة في البيت الحرام ارم منه شيئا فلما انتصف الليل رايته قد اهوى من جميع جوانبه مائلا كالساجد إلى ناحية المقام ثم استوى
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»