كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٧٦
فقال يا رسول الله غرقنا وانقطعت السير في أسواقنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة وكان فيما حولها حتى حصلت السماء فوقها والسحاب ذلك فقال كل واحد منهم في نفسه آمنت إذا مضيت ان يأتي أحد غيري فيشعر بي فاجتمعوا بأسرهم لاتفاق ما في نفوسهم ولما أزعجهم من التعجب لاستماع ما حيرهم وأذهلهم فوقفوا إلى الصباح فلما انصرفوا اجتمعوا أيضا وافتضح بعضهم عند بعض وجددوا العهد بينهم ثم عادوا حتى فعلوا ذلك عدة دفعات تطلعا إلى سماع القرآن مع ما هم عليه من الاصرار على العناد وأما تعجب الجن منه فقولها * (انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) * سورة الجن (فصل من البيان عن اعجاز القرآن) فمن ذلك عجز بلغاء العرب عن الاتيان بمثله في فصاحته ونظمه مع علمهم بان النبي صلى الله عليه وآله قد جعله علما على صدقه وسماعهم للتحدي فيه على أن يأتوا بسورة من مثله هذا مع اجتهادهم في دفع ما اتى به صلى الله عليه وآله وتوفر دواعيهم إلى ابطال امره وفل جمعه واستفراغ مقدورهم في أذيته وتعذيب أصحابه وطرد المؤمنين به ثم ما فعلوه بعد ذلك من بذل النفوس والأموال في حربه والحرص على اهلاكه مع علمهم بان ذلك لا يشهد بكذبة ولا فيه ابطال الحجة ولا يقوم مقام معارضته فيما جعله دلالة على صدقه وتحداهم على الاتيان بمثله وقد كانوا قوما فصحاء حكماء عقلاء خصماء لا يصبرون على التقريع ولا يتغاضون عن التعجيز وعاداتهم معروفة في الشرع إلى الافتخار وتحدي بعضهم لبعض بالخطب والاشعار وفي انصرافهم عن المعارضة دلالة على انها كانت متعذرة عليهم وفي التجائهم إلى الحروب الشاقة دونها بيان انها الأيسر عندهم وأي عاقل يطلب أمرا بما فيه هلاك حاله والتغرير بنفسه وهو يقدر على كلام يقوله يغنيه بذلك وينال به امله ومراده فلا يفعله هذا ما لا يتصور في العقل ولا يثبت في الوهم وفي عجزهم الذي ذكرناه حجة في بيان معجز القرآن وفي صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وآله ومن ذلك ما يتضمنه من اخبار الدهور الماضية وأحوال القرون الخالية وانباء الأمم الغابرة ووصف الديار الداثرة وقصص الأنبياء المتقدمين وشرح احكام أهل الكتابين مما لا يقدر عليه إلا من اختص بهم وانقطع إلى الاطلاع في كتبهم وسافر في لقاء علمائهم وصحب رؤساءهم ولما كان نبينا صلى الله عليه وآله معلوم المولد والدار والمنشأ والقرار لا تخفي أحواله ولا تستتر أفعاله لم يلف قط قبل بعثته مدارسا لكتاب ولا رئي مخالطا لأهل الكتاب ولم يزل معروفا بالانفراد عنهم غير مختص بأحد منهم ولا سافر لاتباع عالم سرا ولا جهرا ولا احتال في نيل ذلك أولا ولا آخرا علم أنه لم يأخذ
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»