كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٦٦
والمسح فعلان كل واحد منهما غير الأخر وليس بداخل فيه ولا قائم مقامه في معناه الذي يقتضيه ويتبين ذلك ان الماسح كأنه قيل له اقتصر فيما تتناوله من الماء على ما يندى به العضو الممسوح والغاسل كأن انما قيل له لا تقتصر على هذا القدر بل تتناول من الماء ما يسيل ويجري على العضو المغسول فقد تبين ان لكل واحد من الفعلين كيفية يتميز بها عن الأخر ولولا ذلك لكان من غسل رأسه فقد اتى على مسحه ومن اغتسل للجمعة فقد اتى على وضوئه هذا مع اجماع أهل اللغة والشرع على أن المسح لا يسمى غسلا والغسل لا يسمى مسحا (فإن قيل) لم زعمتم ذلك وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى قوله سبحانه * (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) * انه غسل سوقها وأعناقها فسمي الغسل مسحا (قلنا) ليس هذا مجمعا عليه في تفسير هذه الآية وقد ذهب قوم إلى أنه أراد المسح بعينه وقال أبو عبيدة والفراء وغيرهما انه أراد بالمسح الضرب وبعد فإن من قال إنه أراد بالمسح الغسل لا يخالف في أن تسمية الغسل مسحا مجاز واستعارة وليس هو على الحقيقة ولا يجوز لنا ان نصرف كلام الله تعالى عن حقائق ظاهرة إلا بحجة صارفة (فإن قال) ما تنكرون من أن يكون جر الأرجل في القراءة إنما هو لأجل المجاورة لا للنسق فإن العرب قد تعرب الاسم باعراب ما جاوره كقولهم حجر ضب خرب فجروا خربا لمجاورته لضب وإن كان في الحقيقة صفة للحجر لا للضب فتكون كذلك الأرجل إنما جرت لمجاورتها في الذكر لمجرور وهو الرؤوس قال امروء القيس * كان ثبيرا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل * فجر مزملا لمجاورته لبجاد وإن كان من صفات الكبير لا من صفات البجاد فتكون الأرجل على هذا مغسولة وإن كانت مجرورة (قلنا) هذا باطل من وجوه أولها اتفاق أهل العربية على أن الاعراب بالمجاورة شاذ نادر ولا يقاس عليه وانما ورد مسموعا في مواضع لا يتعداها إلى غيرها وما هذا سبيل فلا يجوز حمل القرآن عليه من غير ضرورة يلجا إليه وثانيها ان المجاورة لا يكون معها حرف عطف وهذا ما ليس فيه بين العلماء خلاف وفي وجود واو العطف في قوله تعالى وأرجلكم دلالة على بطلان دخول المجاورة فيه وصحة العطف وثالثها ان الاعراب بالجوار انما يكون بحيث ترتفع الشبهة عن الكلام ولا يعترض اللبس في معناه الا ترى ان الشبهة زائلة والعلم حاصل في قولهم حجر ضب خرب بان خربا صفة للحجر دون الضب وكذلك ما أنشد في قوله مزمل وان من صفات الكبير دون البجاد وليس هكذا الآية لأن الأرجل يصح ان يكون فرضها المسح كما يصح ان يكون الغسل فاللبس مع المجاورة فيها قائم والعلم بالمراد منها مرتفع فبان بما ذكرناه ان الجر فيها ليس هو بالمجاورة والحمد لله فان قيل كيف ادعيتم ان المجاورة لا تجوز مع واو العطف وقد قال الله عز وجل * (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق) * ثم قال
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»