كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٨٩
وقوله * (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم) * الانفطار يريد يا أيها الناس وكل لفظ أفاد من الجمع ما دون استيعاب الجنس فهو عام في الحقيقة خاص بالإضافة كقوله عز وجل * (فتحنا عليهم أبواب كل شئ) * الانعام ولم يفتح أبواب الجنات ولا أبواب النار و قوله * (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) * البقرة وإنما أراد بعض الجبال وكقول القائل جاءنا فلان بكل عجيبة والامثال في ذلك كثيرة وهو كله عام في اللفظ خاص مقصور عن الاستيعاب فاما العموم المستوعب للجنس فهو ما أفاد من القول نهاية ما دخل تحته وصح للعبارة عنه في اللسان قال الله عز وجل * (والله بكل شئ عليم) * وقال سبحانه * (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) * الرحمن فاما الألفاظ المنسوبة إلى الاشتراك فهى على انحاء فمنها ما هو مبني لمعنى سائغ في أنواع مختلفات كاسم شئ على التنكير فهو وإن كان في اللغة موضوعا للموجود دون المعدوم فهو يعم الجواهر والأجسام والاعراض غير أن لكل ما شمله مما عددناه أسماء على التفصيل مبينات يخص كل اسم منها نوعه دون ما سواه ومنها رجل وانسان وبهيمه ونحو ذلك فإنه يقع على كل اسم من هذه الأسماء على أنواع في الصور والهيئات وهو موضوع في الأصل لمعنى يعم ويشمل جميع ما في معناه ومن الألفاظ المشتركه ضرب آخر وهو قولهم عين ووقوع هذه اللفظة على جارحة البصر وعين الماء والذهب وجيد الأشياء وصاحب الخير وميل الميزان وغير ذلك فهذه اللفظة بمجردها غير مبنيه لشئ مما عددناه وإنما هي بعض المبنى وتمامه وجود الإضافة أو ما يقوم مقامها من الصفة المخصوصة وإذا ورد اللفظ وكان مخصوصا بدليل فهو على العموم فيما بقي تحته مما عدا المخصوص ويقال انه عام على المجاز لأنه منقول عما بني له من الاستيعاب إلى ما دونه من المخصوص وحقيقة المجاز هي وضع اللفظ على غير ما بني له في اللسان فلذلك قلنا إنه مجاز وإذا ورد لفظان عامان كل واحد منهما يرفع حكم صاحبه ولم يعرف المتقدم منهما من المتأخر فيقال ان أحدهما منسوخ والاخر ناسخ وجب فيهما الوقف ولم يجز القضاء بأحدهما على الأخر إلا أن يحضر دليل وذلك كقوله سبحانه * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج) * البقرة وهذا عموم في جميع الأزواج المختلفات بعد الوفاة وقوله * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * البقرة وهذا أيضا عام وحكمهما متنافيان فلو لا ان العلم قد أحاط بتقديم إحديهما فوجب القضاء بالمتأخرة الثانية منهما لكان الصواب هو الوقف دون الحكم بشئ منهما وكذلك إذا ورد حكمان في قضية واحدة أحدهما خاص والاخر عام ولم يعرف المتقدم من المتأخر منهما ولم يمكن الجمع بينهما وجب التوقف فيهما مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا نكاح إلا بولي والرواية عنه من قوله ليس للولي مع البنت أمر وهذا يخص الأول وفي الامكان ان يقضي عليه في الأول
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»