كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٩٠
في كل واحد منهما يجوز ان يكون الناسخ للاخر فيعدلنا عنهما جميعا لعدم الدلالة القاضي منهما وصرنا إلى ظاهر قوله عز وجل * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * النساء وقوله وانكحوا الأيامى منكم في اباحه النكاح بغير اشتراط ولى على الاطلاق وإذا ورد لفظ في حكم وكان معه لفظ خاص في ذلك الحكم بعينه وجب القضاء بالخاص وهذا مثل الأول ومثاله قول الله عز وجل * (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين) * المؤمنون وهذا عام في ارتفاع اللوم على وطئ الا زواج على كل حال والخصوص قوله سبحانه * (ويسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) * البقرة فلو قضينا بعموم الآية ارتفع حكم آية المحيض باسره وإذا قضينا بما في الثانية من الخصوص لم يرتفع حكم الأولى العام من كل الوجوه فوجب القضاء باية التخصيص منهما ليصح العمل على ما بيناه بهما وإذا سبق التخصيص اللفظ العام أو ورد مقارنا له فلا يجوز القول بأنه ناسخ لحكمه لأن العموم لم يثبت فيستقر له حكم وإنما خرج إلى الوجود مخصوصا فأوجبه في حكم الخصوص والنسخ إنما هو رفع موجود لو ترك لأوجب حكما في المستقبل والذي يخص اللفظ العام لا يخرج منه شيئا دخل تحته وإنما يدل الدليل على أن التجوز لم يرد من المعنى ما بني له الاسم وإنما أراد غيره وقصد إلى وضعه على غير ما بني له في الأصل وليس يخص العموم الا دليل العقل والقرآن والسنة الثابتة فاما القياس والرأي فإنهما عندنا في الشريعة ساقطان لا يثمران علما ولا يخصان عاما ولا يعمان خاصا ولا يدلان على حقيقة ولا يجوز تخصيص العام بخبر الواحد لأنه لا يوجب علما ولا عملا وإنما يخصه من الاخبار ما انقطع العذر لصحته عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أحد الأئمة عليهم السلام وليس يصح في النظر دعوى العموم بذكر الفعل وإنما يصح ذلك في الكلام المبني والصور منه المخصوصة فمن تعلق بعموم الفعل فقد خالف العقول وذلك أنه إذا روي أن النبي صلى الله عليه وآله أحرم لم يجب الحكم بذلك على أنه أحرم بكل نوع من أنواع الحج من افراد وقران وتمتع وإنما يصح الاحرام بنوع منها واحد وإذا ثبت الخبر عنه عليه السلام أنه قال لا ينكح المحرم وجب عموم حظر النكاح على جميع المحرمين مع اختلافهم فيما احرموا به من افراد وقران وتمتع أو عمرة منقولة وفحوى الخطاب هو ما فهم منه المعنى وان لم يكن نصا صريحا فيه بمعقول عادة أهل اللسان في ذلك كقوله الله عز وجل * (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) * الاسراء فقد فهم من هذه الجملة ما تضمنته نصا صريحا وما دل عليه بعرف أهل اللسان من الزجر عن الاستخفاف بالوالدين الزائد على قول القائل لهما أف وما تعاظم عن انتهارهما من القول وما أشبه ذلك من الفعل وان لم يكن النص تضمن ذلك على التفصيل والتصريح وكقولهم لأمر يخص لا تبخس فلانا من حقه حبة واحدة وما يدل ذلك عليه بحسب العرف بينهم
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»