كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٩٣
يقبح في عقولهم من استباحة ما لا سبيل لهم إلى العلم بإباحته من حظره وإلجائهم إلى الحيرة التي لا تليق بحكمته وليس عندنا القياس والرأي مجال في استخراج الأحكام الشرعية ولا يعرف من جهتها شئ من الصواب ومن اعتمدهما في المشروعات فهو على الضلال والعقول تجوز نسخ الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة والكتاب بالسنة والسنة بالكتاب غير أن السمع ورد بان الله تعالى لا ينسخ كلامه بغير كلامه بقوله * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * البقرة فعلمنا انه لا ينسخ الكتاب بالسنة وأخبرنا ما سوى ذلك مما ذكرناه الحجة في الاخبار ما أوجبه العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها ونفي الشك فيه والارتياب وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين ولا يلزم به عمل على حال والاخبار التي يجب العلم بالنظر فيها على ضربين أحدهما التواتر المستحيل وروده بالكذب من غير تواطؤ على ذلك أو ما يقوم مقامه في الاتفاق والثاني خبر واحد يقترن إليه ما يقوم مقام المتواتر في البرهان على صحة مخبره وارتفاع الباطل منه والفساد والتواتر الذي وصفناه هو ما جاءت به الجماعات البالغة في الكثرة والانتشار إلى حد قد منعت العادة من اجتماعهم على الكذب بالاتفاق كما يتفق الاثنان ان يتواردا بالارجاف وهذا حد يعرفه كل من عرف العادات وقد يجوز ان ترد جماعة دون من ذكرناه في العدد بخبر يعرف من شاهدهم بروايتهم ومخارج كلامهم وما يبدو في ظاهر وجوههم ويبين من قصورهم انهم لم يتواطئوا لتعذر التعارف بينهم والتشاور فيكون العلم بما ذكرناه من حالهم دليلا على صدقهم ورافعا للاشكال في خبرهم وان لم يكونوا في الكثرة على ما قدمناه فاما خبر الواحد القاطع للعذر فهو الذي يقترن إليه دليل يقضي بالناظر فيه إلى العلم بصحة مخبره وربما كان الدليل حجة من عقل وربما كان شاهدا من عرف وربما كان اجماعا بغير خلف فمتى خلا خبر واحد من دلالة يقطع بها على صحة مخبره فإنه كما قدمناه ليس بحجة ولا موجب علما ولا عملا على كل وجه وليس في اجماع الأمة حجة من حيث كان اجماعا ولكن من حيث كان فيها الامام المعصوم فإذا ثبت انها كلها على قول فلا شبهة في أن ذلك القول قول المعصوم إذ لو لم يكن كذلك كان الخبر عنها بأنها مجمعة باطلا فإنما تصح الحجة باجماعها لهذا الوجه والحكم باستصحاب الحال واجب لأن حكم الحال ثابت باليقين وما ثبت فلن يجوز الانتقال عنه إلا بواضح الدليل والاخبار إذا اختلفت في الألفاظ فلن يصح حمل جميعها على الحقيقة من الكلام إذا أريد الجمع بينهما على الوفاق وإنما يصح حمل بعضها على الحقيقة وبعضها على المجاز (حتى لا يقدح ذلك في اسقاط بعضها على الحقيقة وبعضها على المجاز) فلابد من صحة أحد البعضين وفساد الأخر أو فساد الجميع اللهم إلا أن يكون الاختلاف فيها يدل على النسخ فذلك
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»