شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٥٩
خلق ملبس به الذل لفاعله) «ملبس» اسم مفعول من الإلباس، والذل فاعله، وفيه استعارة مكنية وتخييلية بتشبيه الذل باللباس وإثبات الإلباس له، ولفظ فاعله وقع موقع الضمير للإشارة إلى ما هو سبب لذل الجميع (وقلة الامتناع لما أراد به) الظاهر: أنه عطف على «الذل» وعطفه على «أن» أيضا محتمل، وذل الخلائق لفاعلهم القديم القاهر يعود إلى دخولهم في ذل الإمكان تحت غلبته واحتياجهم في أسر الحاجة إلى كمال قدرته، وحيث لا يقدرون على الامتناع لما أراد من صفاتهم وذواتهم وهيئاتهم ومقاديرهم وكمالاتهم ونفعهم وضرهم وخيرهم وشرهم للزوم حاجتهم في الذوات والصفات وجميع الحالات إليه ورفعهم أيدي الإمكان والافتقار من جميع الجهات بين يديه، ولعل لفظ القلة إشارة إلى صدور الامتناع عن بعضهم قليلا فيما أراد منهم من أفعالهم الاختيارية ولكن ليس ذلك لقهرهم وغلبتهم عليه بل لأنه تركهم على حالهم ولم يجبرهم تحقيقا لمعنى التكليف والاختيار (ولم يخرج منه طرفة عين أن يقول له كن فيكون) الظاهر أنه حال عن فاعله أو عن فاعل «أراد» وضمير «منه» راجع إليه و «أن يقول» فاعل لم يخرج يعني لم يخرج منه سبحانه (1) في سلطانه على الخلق وقهره عليهم طرفة عين هذا الوصف أعني قوله «كن فيكون» وفيه إشارة إلى أنه القاهر الذي لا يعود مقهورا أبدا، بخلاف القاهر منا وإنما قلنا: الظاهر ذلك; لأنه يحتمل أن يكون حالا عما ذكر، ويكون فاعل «لم يخرج» ضميرا راجعا إليه، ويعود ضمير «منه» إلى «القاهر» ويجعل «أن يقول» بدلا عن ضمير «منه» يعني: لم يخرج الفاعل وهو الله تعالى من كونه قاهرا على الخلق ومن أن يقول «كن فيكون» طرفة عين، وفيه أيضا إشارة إلى ما ذكر.

1 - قوله: «لم يخرج منه سبحانه» تركيب العبارة وإعرابها لا يخلوان عن صعوبة. قال العلامة المجلسي في مرآة العقول في التوحيد - يعنى في توحيد الصدوق -: «طرفة عين غير أنه يقول له» وهو غير ظاهر. ومعنى قوله «لم يخرج منه» لم ينتف منه سبحانه هذا القول طرفة عين أيضا، وقال أيضا: لعله يدل على أن الأشياء في كل آن محتاجة إلى إفاضة جديدة وإيجاد جديد. وقال: قد أشار إلى ما أومأنا إليه بهمنيار في التحصيل وغيره حيث قالوا: كل ممكن بالقياس إلى ذاته باطل، وبه تعالى حق، كما يرشد إليه قوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) فهو آنا فآنا يحتاج إلى ان يقول له الفاعل الحق: كن، ويفيض عليه الوجود بحيث لو أمسك عنه هذا القول والإفاضة طرفة عين لعاد إلى البطلان الذاتي والزوال الأصلي كما أن ضوء الشمس لو زال عن سطح المستضيء لعاد إلى ظلمته الأصلية. انتهى.
وأعلم أن في احتياج الممكن في البقاء إلى المؤثر بحثا طويلا في علم الكلام، ومضمون هذا الحديث هو الحق الذي انتهى إليه بحثهم واختاره المحققون منهم; وذلك لأن علة الاحتياج إلى العلة إمكان الممكن، وهو صفة ثابتة له بعد الوجود، وغلط غير أهل الحق وتفوهوا بهذه الكلمة المنكرة: «لو جاز على الواجب العدم لما ضر عدمه وجود العالم» وفيمن أثبت الاحتياج في البقاء من لم ينل وجهه، وصدور هذه العلوم من الأئمة الأطهار (عليهم السلام) معجزة عظيمة ولا يوجد مثلها في أحاديث مخالفينا البتة. (ش)
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست