شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٥٦
المفهوم (وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى) لما عرفت أن خبره تعالى في مرتبة الذات بل هو نفس الذات بلا استخبار ولا تعلم ولا جهل سابق، وخبرنا بعد مرتبة ذواتنا وبعد هذه الأمور فافترقا وتباينا ولا يبعد أن يكون الخبير أخص من العالم، أما في الواجب فلأنه عبارة عن العالم بدقائق الأشياء وحقائقها والعالم فيه أعم منه، وأما في غيره فلأنه عبارة عن العالم من جهة التجربة والاعتبار ومن جانب التعلم والاستخبار على أن يكون هذه الأمور معتبرة في مفهومه، والعالم في غيره أعم منه لعدم اعتبار هذه الأمور في مفهومه وإن كان لا يخلو عنها.
(وأما الظاهر) اعلم أن للظاهر ستة معان على ما يستفاد من سياق الحديث بعضها مختص بالخالق وبعضها مختص بالخلق، ومن هاهنا يظهر أن الاشتراك ليس إلا بحسب الاسم:
الأول: العالي المرتفع بمعنى الراكب فوق شيء، وهو من قولهم: ظهر فلان السطح، إذا علاه، وحقيقته صار على ظهره، كما صرح به في المغرب.
الثاني: البارز بنفسه المعلوم بحده وهو من قولهم: ظهر فلان إذا خرج وبرز، وهذان المعنيان مختصان بالخلق لاستحالة اتصاف الخالق بهما.
الثالث: الغالب على جميع الأشياء بالقهر والقدرة عليها من قولهم: ظهر فلان على عدوه إذا غلبه.
الرابع: البين وجوده بآثاره لكل أحد من قولهم: ظهر هذا الشيء إذا تبين وجوده بآثاره.
الخامس: العالم بجميع الأشياء بحيث لا يخفى عليه شيء منها.
السادس: المدبر لجميع الأشياء أو لكل ما يرى منها، وكأن هذين المعنيين مأخوذات من المعنى الثالث لاعتبار الغلبة فيهما بالعلم والتدبير وهذه الأربعة مختصة به سبحانه، وإلى هذا التفصيل أشار بقوله: (فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنم لذراها) سنام كل شيء أعلاه، ومنه: تسنمه إذا علاه، وأسنم الدخان إذا ارتفع، والذرى بضم الذال المعجمة وكسرها جمع الذروة كذلك وهي أعلى الشيء وفوقه.
(ولكن ذلك) أي كونه ظاهرا أو علوه على الأشياء (لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها) فمعنى الظاهر أنه العالي على جميع الأشياء بمعنى أنه قاهر غالب قادر عليها، فلا يعجزه ولا يفوته شيء ولا يغلبه ولا يسبقه أحد (كقول الرجل: ظهرت على أعدائي) أي غلبت عليهم (وأظهرني الله على خصمي) أي غلبني عليه تغليبا (يخبر عن الفلج والغلبة) الفلج بالفتح الظفر، وقد فلج الرجل على خصمه إذا غلب، وأفلجه الله عليه إذا جعله غالبا والاسم الفلج بالضم (فهكذا ظهور الله على الأشياء) فظهوره ليس ظهورا مكانيا حسيا بل هو قهره وغلبته جميع الأشياء واستيلاؤه عليها بالإيجاد والإبقاء
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست