وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعلهن تركهن الناس إحداهن التسليم على الجنائز مثل التسليم في الصلاة. وله أيضا نحوه عن عبد الله بن أبي أوفى، فحصل من الأحاديث المذكورة في الباب أن المشروع في صلاة الجنازة قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى وقراءة سورة، وتكون أيضا بعد التكبيرة الأولى مع الفاتحة لقوله في حديث أبي أمامة بن سهل: ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات ولا يقرأ في شئ منهن، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرد ما يدل على تعيين موضعها، والظاهر أنها تفعل بعد القراءة، ثم يكبر بقية التكبيرات، ويستكثر من الدعاء بينهن للميت مخلصا له، ولا يشتغل بشئ من الاستحسانات التي وقعت في كتب الفقه فإنه لا مستند لها إلا التخيلات، ثم بعد فراغه من التكبير والدعاء المأثور يسلم، وقد اختلف في مشروعية الرفع عند كل تكبيرة، فذهب الشافعي إلى أنه يشرع مع كل تكبيرة. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وسالم بن عبد الله، وقيس بن أبي حازم، والزهري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، واختاره ابن المنذر، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحاب الرأي: أنه لا يرفع عند سائر التكبيرات بل عند الأولى فقط. وعن مالك ثلاث روايات، الرفع في الجميع، وفي الأولى فقط، وعدمه في كلها، وقالت العترة، بمنعه في كلها. (احتج الأولون) بما أخرجه البيهقي عن ابن عمر قال الحافظ: بسند صحيح، وعلقه البخاري ووصله في جزء رفع اليدين أنه كان يرفع يديه في جميع تكبيرات الجنازة ورواه الطبراني في الأوسط في ترجمة موسى بن عيسى مرفوعا وقال: لم يروه عن نافع إلا عبد الله بن محرر، تفرد به عباد بن صهيب، قال في التلخيص: وهما ضعيفان، ورواه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن نافع عنه مرفوعا، لكن قال في العلل: تفرد به برفعه عمر بن شبة عن يزيد بن هارون ورواه الجماعة عن يزيد موقوفا وهو الصواب، وروى الشافعي عمن سمع سلمة بن وردان يذكر عن أنس أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة. وروى أيضا الشافعي عن عروة وابن المسيب مثل ذلك قال: وعلى ذلك أدركنا أهل العلم ببلدنا. (واحتج القائلون) بأنه لا يرفع يديه إلا عند تكبيرة الافتتاح بما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس وأبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى على جنازة رفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود. قال الحافظ:
(١٠٤)