المبسوط - السرخسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٥٩
إلى أن يتلفه بتصرفه وأما أبو حنيفة رحمه الله فاستدل بقوله تعالى ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ان يكبروا فقد نهى الولي عن الاسراف في ماله مخافة أن يكبر فلا يبقى له عليه ولاية والتنصيص على زوال ولايته عنه بعد الكبر يكون تنصيصا على زوال الحجر عنه بالكبر لان الولاية عليه للحاجة وإنما تنعدم الحاجة إذا صار هو مطلق التصرف بنفسه ولما سئل أبو حنيفة رحمه الله عن هذه المسألة استدل بآيات الكفارات من الظهار والقتل وغيرها ففي هذه العمومات بيان أن هذه الكفارات تجب على كل من يتحقق منه أسبابها شرعا سفيها كان أو غير سفيه وارتكاب هذه الأسباب اختيارا نوع من السفه فدل انه مع السفه يتصور منه السبب الموجب لاستحقاق المال ومن ضرورته أن لا يمنع من أداء ما لزمه شرعا وبه يتبين ان الحجر عن التصرفات ليس فيه كثير فائدة لتمكنه من اتلاف جميع ماله بهذه الأسباب والمعنى فيه أنه حر مخاطب فيكون مطلق التصرف في ماله كالرشيد وفى هذين الوصفين إشارة إلى أهلية التصرف والمحلية فيه لان بكونه مخاطبا تثبت أهلية التصرف فان التصرف كلام ملزم وأهلية الكلام بكونه مميزا والكلام المميز بنفسه بكونه مخاطبا والمحلية تثبت بكونه خالص ملكه وذلك يثبت باعتبار حرية المالك وبعد ما صدر التصرف من أهله في محله لا يمتنع نفوذه الا لمانع والسفه لا يصلح أن يكون معارضا للحرية والخطاب في المنع من نفوذ التصرف لان بسبب السفه لا يظهر نقصان علقه ولكن السفيه يكابر عقله ويتابع هواه وهذا لا يكون معارضا في حق التصرف كما لا يكون معارضا في توجه الخطاب عليه بحقوق الشرع وكونه معاقبا على تركه ان زوال الحجر وتوجه الخطاب في الأصل ينبنى على اعتدال الحال إلا أن اعتدال الحال باطنا لا يمكن الوقوف على حقيقته فأقام الشرع السبب الظاهر الدال عليه وهو البلوغ عن عقل مقامه تيسيرا على ما هو الأصل انه متى تعذر الوقوف على المعاني الباطنة تقام الأسباب الظاهرة مقامها كما أقيم السير المديد مقام المشقة في جواز الترخص وأقيم حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة مقام حقيقة استعمال الرحم بالماء في وجوب الاستبراء ثم هذا السبب الظاهر يقوم مقام ذلك المعنى الخفي فيدور الحكم معه وجودا وعدما فكما لا يعتبر الرشد قبل البلوغ وان علم أنه أصاب ذلك في زوال الحجر عنه فكذلك لا يعتبر السفه والتبذير بعد البلوغ في اثبات الحجر عليه (ألا ترى) أن في حكم الخطاب اعتبر هذا المعنى فدار مع السبب الظاهر وهو البلوغ عن عقل وجودا وعدما فكذلك في حكم التصرفات بل أولى لان توجه الخطاب عليه
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 2
2 باب التعزير 35
3 باب من طبخ العصير 37
4 كتاب الاكراه 38
5 باب ما يكره عليه اللصوص غير المتأولين 47
6 باب الاكراه على العتق والطلاق والنكاح 62
7 باب ما يكره أن يفعله بنفسه أو ماله 66
8 باب تعدي العامل 72
9 باب الاكراه على دفع المال وآخذه 78
10 باب من الاكراه على الاقرار 83
11 باب من الاكراه على النكاح والخلع والعتق والصلح عن دم العمد 85
12 باب الاكراه على الزنا والقطع 88
13 باب الاكراه على البيع ثم يبيعه المشتري من آخر أو يعتقه 93
14 باب الاكراه على ما يجب به عتق أو طلاق 100
15 باب الإكراه على النذر و اليمين 105
16 باب اكراه الخوارج المتأولين 108
17 باب ما يخالف المكره فيه أمر به 109
18 باب الاكراه على أن يعتق عبده عن غيره 112
19 باب الاكراه على الوديعة وغيرها 119
20 باب التلجئة 122
21 باب العهدة في الاكراه 128
22 باب ما يخطر على بال المكره من غير ما أكره عليه 129
23 باب زيادة المكره على ما أمره به 132
24 باب الخيار في الاكراه 135
25 باب الاكراه فيما يوجب لله عليه أن يؤديه اليه 144
26 باب الاكراه في الوكالة 147
27 باب ما يسع الرجل في الاكراه وما لا يسعه 151
28 باب اللعان الذي يقضى به القاضي ثم يتبين أنه باطل 155
29 كتاب الحجر 156