المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ٥٠
والحيازة جميعا بقوله وانك لم تكوني قبضتيه ولا حزتيه والمراد بالحيازة القسمة لأنه يقال حاز كذا أي جعله في حيزه بقبضه وحاز كذا أي جعله في حيزه بالقسمة ولو حملناه علي القبض هنا كان تكرارا وحمل اللفظ على ما يستفاد به فائدة جديدة أولى من حمله علي التكرار وفيه دليل أن هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تكون باطلة لان أبا بكر رضي الله عنه باشرها ولكن لا يحصل الملك الا بعد القسمة كما لا يحصل الملك الا بعد القبض ولا نقول الهبة قبل القبض باطلة. وفيه دليل ان التسليم كالتمليك المبتدأ لان أبا بكر رضي الله عنه امتنع من ذلك لمرضه فان المريض ممنوع من ايثار بعض ورثته بشئ من ماله بطريق التبرع ولكن طيب قلبها بما قال انتدابا إلى ما ندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله رحم الله امرأ أعان ولده على بره بدأ كلامه بالحمد والثناء على الله تعالى وكل مسلم مندوب إلى ذلك خصوصا في وصيته. ثم يستدل بقوله ان أحب الناس إلي غنى أنت وأعزهم على فقرا أنت أي أشدهم من تفضيل الغين الشاكر على الفقير الصابر ولا شك أن أبا بكر رضي الله عنه كان يحب لها أعلي الدرجات ولكن المذهب عندنا أن الأفضل ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه الصلاة والسلام اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين وقال صلوات الله وسلامه عليه الفقر أزين بالمؤمن من العذار الجيد على خد الفرس. وكذلك أبو بكر رضي الله عنه اختار الفقر لنفسه حين أنفق جميع ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفنا أنه إنما قال ذلك تطييبا لقلبها أو أحب الغنى لعجزها عن الكسب أو ظن أنه يشق عليها الصبر على الفقر فلهذا قال أحب الناس إلى غنى أنت وانى كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا من مالي بالعالية وذلك اسم موضع وقد كان وهب لها قدر عشرين وسقا من ماله في ذلك الموضع قال وإنما هو مال الورثة. وفيه دليل على أن حق الوارث يتعلق بمال المريض مرض الموت وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام وما سوى ذلك فهو مال الوارث أو قال ذلك باعتبار أن مآله إلى ذلك كقوله تعالى انك ميت وانهم ميتون. وإنما هما أخواك وأختاك وإنما ذكر ذلك ليطيب قلبها انه كأن لا يسلم لك فلا يبعد عنك فأشكل على عائشة رضي الله عنها قوله وأختاك لأنها ما عرفت لها الا أختا واحدة وهي أم عبد الله فقال أبو بكر رضي الله عنه أنه ألقى في نفسي أن في بطن بنت خارجة جارية يعنى أم حبيب امرأته وكانت حاملا. وفيه دليل أن الحمل من جملة الورثة وانه لا بأس للانسان أن يتكلم بمثل هذا بطريق الفراسة فان أبا بكر
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست