المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ١٨٦
الخصم ولكن الحجة لا تتم بهذا لجواز أن يكون هنا قسما ثالثا كما في المقلية بغير المقلية ولكن الحجة لأبي حنيفة الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثل بمثل يد بيد كيل بكيل وقد بينا أن التمر اسم للثمرة الخارجة من النخيل حين تنعقد صورتها إلى أن تدرك وما يتردد عليها من الأوصاف باعتبار الأحوال لا يوجب تبدل اسم العين كالآدمي يكون صيبا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا فإذا ثبت ان الكل تمر يراعى وجود المماثلة حالة العقد علي الصفة التي دخلت في العقد لان اعتبار المماثلة سبب المقابلة وذلك يكون عند العقد وما كان اعتبار المساواة الا نظير الأجود فكما لا يعتبر التفاوت في ذلك فكذلك في هذا وقد تحققت المساواة بينهما في الكيل في الحال لان الرطوبة التي في الرطب مقصودة وهي شاغلة للكيل فلا يظهر التفاوت الا بعد ذهابها بالجفاف فلا يتبين به أن التفاوت كان موجودا وقت العقد بخلاف الحنطة بالدقيق فان بالطحن تتفرق الاجزاء ولا يفوت جزء شاغل للكيل فتبين بالتفاوت بينهما بعد الطحن أنهما لم يكونا متساويين عند العقد وكذا المقلية بغير المقلية فان بالقلى لا يفوت جزء شاغل للكيل إنما تنعدم اللطافة التي كانت بها الحنطة منبتة ولما ظهر التفاوت بعد القلي عرفنا أن هذا التفاوت كان موجودا عند العقد ثم صاحب الشرع أسقط اعتبار التفاوت في الجودة بقوله صلى الله عليه وسلم جيدها ورديئها سواء واعتبر التفاوت بين النقد والنسيئة حتى شرط اليد باليد وصفة الجودة لا تكون حادثة يصنع العباد والنقاوة بين النقد والنسيئة حادث بصنع العباد وهو اشتراط الاجل فصار هذا أصلا ان كل تفاوت ينبنى علي صنع العباد فذلك مفسد للعقد وفى المقلوة بغير المقلوة والحنطة بالدقيق بهذه الصفة وكل تفاوت ينبنى على ما هو ثابت بأصل الخلقة من غير صنع العباد فهو ساقط الاعتبار والتفاوت بين الرطب والتمر بهذه الصفة فلا يكون معتبرا كالتفاوت بين الجيد والردئ. قال (وبيع العنب بالزبيب كبيع الرطب بالتمر) فاما بيع الحنطة المبلولة باليابسة أو الرطبة باليابسة يجوز في قول أبي حنيفة وفي قول محمد لا يجوز وذكر في نسخ أبى حفص قول أبى يوسف كقول أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وهو قوله الآخر فاما قوله الأول كقول محمد فأبو حنيفة مر علي أصله وهو اعتبار المساواة في الكيل عند العقد ومحمد مر على أصله وهو اعتبار المماثلة في أعدل الأحوال كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد رضى الله تعالى عنه وذلك لا يوجد في الحنطة الرطبة والمبلولة بعد الجفوف وأبو يوسف يقول القياس ما قاله أبو حنيفة ولكن تركت القياس في الرطب بالتمر للحديث والمخصوص
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست