المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ١١٤
دفع إلى أجنبي فقد صار تاركا للحفظ الذي التزمه مستحفظا عليه من استحفظ منه فيكون ضامنا. بخلاف من في عياله فان المودع هو الحافظ له بيد من في عياله لان من في عياله في يده فما في يد من في عياله كذلك فأما إذا دفع إلى أجنبي لا يكون هو حافظا له بل الأجنبي هو الحافظ له والمودع لم يرض بهذا فيكون ضامنا حتى يقر المودع بوصولها إليه فإذا أقر بذلك برئ عن الضمان بوصول المال إلى يد صاحبه كما يبرأ الغاصب بوصول المغصوب إلي يد صاحبه * وكذلك العارية في جميع ذلك لأنها أمانة كالوديعة. وفي هذا بيان أن المستعير ليس له أن يودع أجنبيا كالمودع وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله له ذلك لان للمستعير ان يعير فيما لا تفاوت الناس في الانتفاع به وفى الإعارة ايداع وزيادة ولكن الأول أصح لان المستعير عندنا مالك للمنفعة فاعاراته من الغير تصرف فيما هو مملوك له وهو المنفعة ثم يتعدى تسليمه إلى العين حكما لتصرفه في ملك نفسه فلا يكون موجبا للضمان عليه فأما ايداعه من الغير فهو تصرف في العين ولا حق له في العين فيكون موجبا للضمان عليه كالايداع من المودع * فان قال بعثت بها إليك مع هذا الأجنبي أو استودعتها إياه ثم ردها علي فضاعت عندي لم يصدق وهو ضامن لها لأنه أقر بوجود السبب الموجب للضمان عليه ثم ادعى ما يسقط عنه فلا يصدق كالغاصب إذا ادعى رد المغصوب فان أقام البينة علي ذلك برئ من الضمان لأنه أثبت البراءة بالحجة والثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم وهو مذهبنا فان المودع إذا خالف ثم عاد إلي الوفاق يبرأ عن الضمان وعند الشافعي رضي الله تعالى عنه لا يبرأ وبيانه في هذه المسألة وفيما إذا لبس ثوب الوديعة ثم نزعه فهلك وحجة الشافعي قوله صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترد. وهو حين أخذها للاستعمال صارت مضمونة عليه حتى لو هلكت في تلك الحالة ضمنها فلا يبرأ الا بالرد على المالك ولم يوجد ولان الوديعة تضمن بالخلاف من طريق القول وهو الجحود تارة وبالخلاف من طريق الفعل أخرى ثم إذا ضمنها بالجحود لم يبرأ بذلك الخلاف ما لم يردها إلى المالك فكذلك بالاستعمال بل أولى لان الاستعمال يتصل بالعين والجحود لا يتصل به * وقاس بالمستأجر للدابة إلى مكان إذا جاوزه ثم عاد إليه لم يبرأ * وكذلك المستعير يعلم أنه أمين ضمن الأمانة بالخيانة ولان المودع معير يده من المودع في الحفظ فإذا خالف فقد استرد يد عاريته وهو ينفرد به ثم إذا عاد إلى الوفاق فقد أراد إعادة يده ثانيا منه وهو لا ينفرد به ولان موجب العقد هو الحفظ للمالك وبالخلاف
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست