المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ١١٥
يفوت موجب العقد اما لتركه الحفظ أصلا أو لتركه الحفظ للمالك حين حفظها لنفسه فلا يبقى العقد بعد فوات موجبه. ولان الأسنان إنما يأتمن الأمين علي ماله دون الخائن ومطلق العقد يتقيد بدلالة العرف كالشراء بمطلق الدراهم يتقيد بنقد البلد وإذا تقيد العقد بما قبل الخلاف لا يبقى بعده * وحجتنا في ذلك أن الايداع مطلق فكان باقيا بعد الخلاف * وبيان الوصف أنه قال احفظ مالي أو قال احفظه أبدا ولا يشكل على أحد أن هذا اللفظ يتناول الحفظ قبل الخلاف وبعده ثم لم يبطل بالخلاف لان بطلان الشئ بما هو موضع لابطاله أو بما ينافيه والاستعمال ليس بموضع لابطال الايداع وهو لا ينافيه * ألا ترى ان الامر بالحفظ مع الاستعمال صحيح ابتداء بأن يقول للغاصب أو دعتك وهو مستعمل له والخلاف ليس برد لان الامر قول ورد القول بقول مثله ولان الخلاف يكون في حال غيبة المودع ولو قال رددت الامر في هذه الحالة لم يرتد. ولأنه تصرف في حفظ الواجب بالأمر على خلاف ما يوجبه وليس بتصرف في الامر وصحة الامر كأن يكون الآمر أهلا له وكون الحفظ مقصودا من المأمور ولم ينعدم شئ من ذلك بخلاف الجحود فإنه رد للامر بعينه لان الجاحد يكون متملكا للعين والمالك في ملكه لا يكون مأمورا بالحفظ من جهة غيره والدليل عليه أوامر الشرع فالجحود فيها رد والخلاف لا يكون ردا حتى لو ترك صوما أو صلاة لم يكفر (وكذلك) في أوامر العباد إذا وكله ببيع عين بألف فباعه بخمسمائة وسلم لم تبطل الوكالة مع تحقق الخلاف ومع أن الوكالة جائزة غير لازمة كالايداع. وعذره ان البيع لا يستغرق المدة فالامر به لا يبطل بالخلاف والحفظ يستغرق المدة فيبطل الامر به إذا خالف في بعض المدة هنا وهناك حتى يصير ضامنا * ويشكل بالاستئجار للحفظ فإنه يستغرق المدة ثم لا يبطل بالخلاف من طريق الفعل وعذره عن الإجارة انها لازمة حتى لا يبطل بالجحود ضعيف لان بطلان العقد عنده بفوات المعقود عليه واللازم وغير اللازم فيه سواء إنما يفترق اللازم وغير اللازم فيما هو رد. ثم في الاستئجار العقد ورد على منفعة الحافظ في المدة والمنفعة تحدث شيئا فشيئا فبترك الحفظ في بعض المدة يبطل العقد في ذلك القدر ويكون باقيا فيما وراءه كبقاء المعقود عليه فكذلك في الحفظ بغير بدل * فأما استئجار الدابة إلى مكان فقد قال بعض أصحابنا رحمهم الله ان استأجرها ذاهبا وجائيا يبرأ عن الضمان بالعود إلى ذلك المكان فيصير ضامنا بالمجاوزة لوجود سبب الضمان ثم بالعود إلى ذلك المكان لا يعود العقد بينهما * ولو سلمنا
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست