المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ١١٣
ما سبق لان هناك إنما جاء بملك نفسه فوضعه مكان ما أنفق ولهذا لا يكون عودا إلي الوفاق فيما خالف فيه وهنا إنما جاء بالوديعة بعينها فتحقق عوده إلى الوفاق وهذا أولى الوجهين عندي فإنه لو باعها ثم ضمن قيمتها نفذ البيع من جهته وإنما يستند ملكه بالضمان إلى وقت وجوب الضمان فلو لم يكن الرفع للبيع موجبا للضمان عليه قبل البيع والتسليم لم يستند ملكه إلى تلك الحالة فينبغي أن لا ينفذ بيعه والرواية محفوظة في هذا الكتاب وفى المضاربة ان البيع نافذ فعرفنا ان الأوجه هو الطريق الثاني (وإذا) طلب المودع الوديعة فقال المستودع قد رددتها عليك فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين والقول قول الأمين مع اليمين لانكاره السبب الموجب للضمان واخباره بما هو مسلط عليه وهو رد الوديعة على صاحبها والمودع هو الذي سلطه على ذلك فيجعل قوله كقول المسلط الا انه يستحلف لنفى التهمة عنه * وكذلك لو سرقت أو ضاعت أو ذهبت وقال لا أدرى كيف ذهبت لأنه أمين أخبر بما هو محتمل ولأنه ينكر وجوب الضمان عليه والمالك يدعى عليه سبب الضمان وهو المنع بعد الطلب فلا يصدق إلا بحجة (واختلف) المتأخرون رحمهم الله فيما إذا قال ابتداء لا أدرى كيف ذهبت فمنهم من يقول هو ضامن لها لأنه جهلها بما قال والمودع بالتجهيل يصير ضامنا بخلاف ما إذا قال ذهبت ولا أدرى كيف ذهبت لأنه بقوله ذهبت يخبر بهلاكها ويكفيه هذا المقدار فلا معتبر بعد ذلك بقوله لا أدرى كيف ذهبت والأصح انه لا يصير ضامنا لأنه مخبر بهلاكها محترز عن الكذب والمجازفة في القول بقوله لا أدرى كيف ذهبت وهذا لان أصل الذهاب معلوم من هذا اللفظ لا محالة وإنما التجهيل في كيفية الذهاب والاخبار بأصل الذهاب يكفي في براءته عن الضمان * وان قال بعثت بها إليك مع رسولي وسمى بعض من في عياله فهو كقوله رددتها عليك لان يد من في عياله لما جعل كيده في الحفظ فكذلك في الرد يد من في عياله كيده فلا يصير بهذا مقرا بالسبب الموجب للضمان عليه (وإذا) قال بعثت بها إليك مع أجنبي فهو ضامن حتى يقر المودع بوصولها إليه عندنا (قال) ابن أبي ليلى رحمه الله لا ضمان عليه وهذا بناء على أن عنده للمودع أن يودع غيره لأنه يحفظ الوديعة على الوجه الذي يحفظ ماله وقد يودع الانسان مال نفسه من أجنبي فكذلك له أن يودع الوديعة من غيره فلا يصير ضامنا بالدفع إلى غيره ليحفظ أو يرد كما في حق من في عياله * وعندنا ليس للمودع أن يودع غيره لان الحفظ يتفاوت فيه الناس والمودع إنما رضي بحفظه وأمانته دون غيره فإذا
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»
الفهرست