مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٤ - الصفحة ١٧٢
علل قصر الحاج بثلاثة أوجه: أحدها أن عمل الحاج لا ينقضي إلا في أكثر من يوم وليلة.
والثاني أن من مكة إلى عرفة ومن عرفة إلى مكة قدر ما تقصر فيه الصلاة ويلزم الذهاب أو الإياب بالشروع. والثالث أن الحاج من مكة لا يصح منه نية إلا بأن ينوي الرجوع إلى مكة للطواف فصار سفره لا يصح إلا بأن يجمع على مسير ما تقصر فيه الصلاة، وعلى هذين التوجيهين لا يقصر العرفي لأنه لا ينوي مسافة قصر. انتهى من كتاب الصلاة أكثره بالمعنى. فعلم من كلامه أنه لم يجزم به وإنما ذكر أنه لا يتأتى على التوجيهين المذكورين والتوجيهان غير مسلمين فإنهما مبنيان على أن من مكة إلى عرفة أربعة وعشرين ميلا ولم يقله أحد والحس يخالفه. وأيضا فإن المشهور أن القصر في ذلك إنما هو بالسنة، وأيضا فإنما يتم ما ذكره إلا إذا كان العرفي مقيما بعرفة ولم يتوجه إلى مكة ليخرج مع الناس كما هو الأولى. وقد نقل الباجب بعد ذلك عن سماع عيسى خلاف ذلك، فإنه وقع في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الصلاة ما نصه: وسئل ابن القاسم عن أهل منى، هل يقصرون إذا أرادوا الإفاضة وأهل عرفة؟ فقال: أما أهل عرفة فيقصرون ولا يقصر أهل منى.
قال ابن القاسم: وكل من كان بمنى يقصر فإذا أفاض قصر، وكل من كان بمنى يتم فإذا أفاض أتم.
قال ابن رشد: قوله في المنوي صحيح لقرب ما بين مكة ومنى، وقوله في العرفي صحيح أيضا على قياس قوله: إنهم يقصرون بمنى لأنهم إذا كانوا يقصرون بمنى فهم على ذلك حتى يرجعون إلى وطنهم بعرفة، وفي قوله: إنهم يقصرون بمنى نظر لأنه إنما قال إنهم يقصرون بمنى قياسا على المكي وذلك إنما فيه الاتباع للرسول لتقصيره فيهما ولا يتعدى بالسنة موضعها إذا لم تكن موافقة للأصول ولا سيما وقد قيل إنه عليه السلام لم يكن مقيما بمكة، وإليه ذهب أهل العراق فلم يجيزوا للمكي التقصير. وقول ابن القاسم وكل من كان بمنى يقصر فإذا أفاض قصر مثل قوله أولا، أما أهل عرفة فيقصرون لأن أهل عرفة عنده يقصرون بمنى على ما تقدم. ووقع في بعض الروايات: وكل من كان بعرفة يقصر فإذا أفاض قصر وهو غلط، لأن قوله يتناقض بذلك من أجل أن أهل منى يقصرون بعرفة وهو قد قال إنهم يتمون إذا أفاضوا انتهى. فنقل الباجي أول المسألة إلى قوله ولا يقصر أهل منى. وقال في توجيههما ما نصه:
ووجه ذلك أن المنوي بعد الإفاضة يرجع إلى وطنه ويرجع إلى وطنه في مسافة إتمام، والعرفي يفيض من مكة إلى غير وطنه لاتمام حجه، فإذا رجع من منى بعد انقضاء حجه لم يقصر إلى عرفة لما ذكرناه انتهى. وقد نقل ابن عرفة هذا السماع وبعض كلام ابن رشد عليه وكلام الباجي أيضا ولم يبحث فيه والله أعلم. ولا يدخل في قول ابن القاسم وكل من كان بمنى يقصر فإنه يقصر إذا أفاض المكي والمقيم بمكة إذا وصلا إليها لأن ذلك معلوم لرجوعهما إلى
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»
الفهرست