مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٧٠
من يشفع له عندهم إذ ذلك بأنه من أهل الخير والصلاح يتعطفوا بالدفع إليه فيأكلون الدنيا بالدين وذلك مذموم في الشرع الشريف. انتهى كلامه في المناسك وهو مختصر من كلام صاحب المدخل.
وذكر في المدخل حكايات عن بعض الصالحين في معنى ذلك منها، أنه قال: سمعت سيدي أبا محمد - يعني ابن جمرة نفعني الله ببركاته وبعلومه والمسلمين - يحكى أن شابا من المغاربة جاء إلى الحج فلما وصل إلى هذه البلاد فرغ ما بيده وكان يحسن الخياطة، فجاء إلى خياط وجلس يخيط عنده بالأجرة وكان على دين وخير وكان جندي يأتي إلى الدكان فيقعد عندهم فيتكلمون وهو لا يتكلم معهم بل مقبل على ما هو بصدده فحصل له فيه حسن ظن، فلما أن جاء أوان خروج الركب إلى الحج سأله الجندي لم لا تحج؟ قال: ليس لي شئ أحج به. فجاءه الجندي بأربعمائة درهم وقال: خذ هذه فحج بها. فرفع الشاب رأسه إليه وقال له: كنت أظنك من العقلاء فقال: وما رأيت من عدم عقلي؟ فقال له: أن أقول لك كنت في بلدي بين أهلي فرض الله علي الحج فلما أن وصلت إلى هذه المواضع أسقطه عني لعدم استطاعتي جئت أنت بدراهمك تريد أن توجب علي شيئا أسقطه الله عني وذلك لا أفعله أو كما قال. وقد كان أيضا بعض المغاربة أيضا جاء إلى هذا البلاد ففرغ ما بيده فبقي يعمل بالقربة على ظهره وكان يحصل له كل يوم خمسة دراهم وأقل وأكثر فيأكل منها بنصف درهم ويتصدق بالباقي وكان له مال ببلده، فجاء بعض معارفه من أهل بلده فسألوه أن يمضي معهم إلى الحجاز فأبى عليهم فسألوه عن سبب امتناعه فقال لهم: إن الله لم يفرض علي الحج إلا لعدم قدرتي على الزاد وما أحتاجه في الحج فقالوا له: خذ منا ما تختار. فقال: لم يجب علي ذلك ولم أندب إليه. فقالوا له: نحن نقرضك إلى أن ترجع إلى بلدك. فقال: ومن يضمن لي الحياة حتى تأخذوا قرضكم. فقالوا له:
نحن نجعلك في حل منه. فقال لهم: لا يجب علي ذلك ولا أندب إليه فقالوا له: فوفر من ما تحصله كل يوم ما تجب به وترجع إلى بلادك ومالك. فقال لهم: تفوتني حسنات معجلة لشئ لم يجب علي الآن ولا أدري هل أعيش إلى ذلك الزمان أم لا؟ أو كما قال. وقد منع سيدي أبو محمد بعض من ينتمي إليه من حجة الفريضة بمال يأخذه قرضا من بعض أهل بلده مع رغبة صاحب المال في ذلك وتلهفه عليه وصبره إلى أن يأخذه من مال المقترض في بلدهم بعد رجوعهم. وعلل الشيخ رحمه الله ذلك بوجهين: أحدهما عمارة الذمة بشئ لا يدري هل يفي به أم لا إن كان قرضا. والثاني المنة فيه وإن أخذه على جهة الهبة ففيه المنة أكثر فقال بعض أصحاب سيدي الشيخ له: إن صاحب المال لا يمن بل يمن الله بذلك. فقال: إن لم يمن هو يمن أهله وأقاربه في بلده. فقالوا له: قد لا يرجع هو للبلد يعني المقترض. فقال الشيخ: تقع المنة على أهله وأقاربه فإن لم يقع ذلك منهم فقد تقع من أهل البلد فيقولون فلان حجج فلانا وفي ذلك من المنة ما فيه بشئ لا يجب عليه ولا يندب إليه أو كما قال. هذا فعلهم في الحجة الأولى فما بالك بهم في
(٤٧٠)
مفاتيح البحث: الحج (6)، المنع (1)، الظنّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 ... » »»
الفهرست