مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٧٣
ما ذكراه عن ابن القاسم وابن وهب ذكره صاحب النوادر وغيره لكنه لم يصرح بأن ذلك فيمن كانت عادته السؤال ونصه: ومن رواية ابن وهب ومختصر ابن عبد الحكم قيل فيمن يسأل ذاهبا وجائيا ولا نفقة عنده قال: لا بأس بذلك. قيل له: فإن مات في الطريق؟ قال:
حسابه على الله. قال في رواية ابن القاسم عنه: ولا أرى للذين لا يجدون ما ينفقون أن يخرجوا إلى الحج والغزو ويسألون الناس وهم لا يقوون إلا بما يسألون وإني لأكره ذلك لقول الله تعالى * (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) * انتهى بلفظه.
فليس في الرواية أن ذلك فيمن كانت عادته السؤال بل الرواية مجملة وفسرها الشيوخ بأن ذلك فيمن لم تكن عادته السؤال في بلده كما تقدم في كلام اللخمي حيث قال إثر كلام مالك في مختصر ابن عبد الحكم: لا أرى للذي لا يجد ما ينفق أن يخرج للحج ولا للغزو ويسأل الناس، يريد فيمن كان في المقام من غير مسألة. ولما ذكر الشيخ أبو الحسن الصغير الرواية المذكورة ذكر بعدها تفسير اللخمي. وقال ابن رشد بعد كلامه المتقدم: وإن كان عيشه من غير السؤال وهو يقدر أن يتوصل إلى مكة بالسؤال فلا اختلاف في أن ذلك لا يجب عليه، واختلف هل يباح له أو يكره فقيل: إن ذلك مباح وهو قول مالك في رواية ابن عبد الحكم.
وقيل: إن ذلك مكروه وهو قوله في سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات انتهى.
فجعل القولين اللذين أشار إليهما ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح فيمن ليس عادته السؤال وقبله ابن عرفة ونصه: وقدرة سائل بالحضر على سؤال كفايته بالسفر استطاعة ولا يجب على فقير غير سائل بالحضر قادر على سؤال كفايته في السفر. ابن رشد: اتفاقا وفي كراهته وإباحته روايتا ابن عبد الحكم وابن القاسم وإليه يرجع قول اللخمي: اختلف فيمن يخرج يسأل فروى ابن عبد الحكم لا بأس به. وقال أيضا: لا أرى لمن لا يجد ما ينفق خروجه لحج أو غزو ويسأل الناس.
اللخمي: يريد فيمن كان في مقامه لا يسأل. ونقل ابن شاس سقوطه عن معتاد السؤال ظانا وجود من يعطيه لا أعرفه. انتهى كلام ابن عرفة بلفظه. وظاهر كلامه في التوضيح أن القولين اللذين ذكرهما ابن رشد غير القولين اللذين ذكرهما ابن الحاجب وليس كذلك كما علم مما تقدم. إذا علمت ذلك فقد ظهر لك صحة ما ذكرته من أن نصوص المذهب مصرحة بأن الحج واجب في هذه الصورة، وجميع من تقدم ذكره من شيوخ المذهب وأعيان الحفاظ لنصوصه الذين لم ينقلوا في لزوم الحج خلافا فهموا رواية ابن القاسم على أنها فيمن ليست عادته السؤال وإلا فمن البعيد عادة أنهم لم يطلعوا عليها أو اطلعوا عليها وفهموا أنها فيمن عادته السؤال وجزموا بخلافها ولم ينبهوا عليها. ومن البعيد عادة أيضا أن ابن عبد السلام والمصنف اطلعا على النصوص المتقدمة وفيها الرواية على خلاف ذلك ولم ينبها على ذلك وذلك ظاهر لمن تأمل وأنصف والله الموفق.
تنبيه: حيث حرم الخروج لكون العادة عدم الاعطاء فقال صاحب المدخل: يتعين على
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»
الفهرست