مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٤٥
الرابع: إن قيل ظاهر الكلام يقتضي أن وقوعه فرضا لا يستلزم كونه واجبا بأن يقع فرضا ولم يكن واجبا لمقارنتكم بينهما بتشبيه أحدهما بالآخر. وقيل: نعم هو كذلك لأنه إذا حصل شرط وقوعه فرضا وهو الحرية والتكليف لا يكون واجبا حتى يحصل سبب الوجوب وهو الاستطاعة، فلو كان حرا مكلفا غير مستطيع وتحمل المشاق والكلف وحج قبل حصول الاستطاعة سقط عنه الفرض مع أنه أولا ليس بواجب عليه، وسواء قلنا الاستطاعة عنده شرط أو سبب لأن الشئ لا يجب مع فقد شرط وجوبه ولا مع فقد سبب وجوبه.
فإن قيل: كيف يجزئ ما ليس بفرض عن الفرض.
فالجواب: كما قال سند: إنه في الحقيقة لما حصل بموضع الحج والتمكن منه وجب عليه فأجزأه فعله ولم يكن عليه قبل ولا يتحقق أن يجزيه عن فرض إلا بعد ثبوت الفرض عليه انتهى. وقال في التمهيد في شرح الحديث الأول لابن شهاب عن سليمان بن يسار الاجماع على أن الفقير إذا وصل إلى البيت بخدمة الناس أو بالسؤال أو بأي وجه كان، فقد تعين عليه الفرض ووجب عليه الحج. وأجاب البساطي بأن الشئ قد يجزئ عن الواجب وإن لم يكن واجبا كالجمعة لا تجب على المرأة والعبد وتجزيهما عن النطر انتهى.
قلت: إنما أجزأت الجمعة عن الظهر لأنها بدل منها على أحد القولين، وعلى القول الآخر فلاستقرار وجوب شئ في الذمة بخلاف مسألتنا والله أعلم.
الخامس: انظر هل على ما قاله سند أنه لا يتحقق أن يجزيه عن الفرض إلا بعد ثبوت الفرض عليه ما حكم من كان غير مستطيع وأحرم بالحج من بلده أو من موضع يتحقق أنه لا يستطيع الحج منه ثم تكلف بعد ذلك الوصول إلى مكة على وجه يتحقق أنه لا يوجبه الشرع عليه، فهل يجزئه عن الفرض أم لا؟ لم أر فيه نصا صريحا، وظاهر نصوصهم أنه يجزئه. قال سند: لما قسم شروط الحج ومنها ما يمنع فقده الوجوب دون الاجزاء وهو الاستطاعة انتهى.
وقال القرافي في ذخيرته: وأما عدم السبب الذي هو الاستطاعة فيمنع الوجوب دون الاجزاء انتهى. وقال في الجواهر: ولا يشترط لوقوعه عن حجة الاسلام إلا الاسلام والحرية والتكليف.
وهذا ظاهر كلام المصنف هنا وكلام غيره، ويمكن أن تتخرج المسألة على ما ذكره القرافي في الفرق الثالث والثلاثين وغيره فيما إذا كان للحكم سبب وشرطه فإنه إن تقدم عليهما لم يعتبر إجماعا، وإن تأخر عنهما اعتبر إجماعا، وإن توسط بينهما اختلف فيه كتقديم الكفارة قبل الحنث الذي هو شرطها بعد الحلف الذي هو سببها، وكإخراج الزكاة بعد جريان سببها الذي هو ملك النصاب وقبل وجوب شرطها الذي هو دوران الحول ونحو ذلك. ويختلف التشهير في هذه المسائل بحسب مدارك أخر فنقول: كذلك الحج إذا وقع بعد شروطه وقبل سببه يختلف فيه ويتجه حينئذ القول بأنه إذا لم تحصل الاستطاعة لم يصح الحج ويكون معناه أنه لا يسقط الفرض بناء على أحد القولين، ويؤيد هذا أن بعضهم جعل الاستطاعة شرط صحة كما
(٤٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 ... » »»
الفهرست