مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٤٤
إذا أحرم الصبي بالحج وبلغ في أثنائه لزمه أن يتمادى على ما أحرم ولا يجزى عن فرضه لأنه إذا انعقد نفلا، وهذا هو المذهب، فقد ذكر صاحب اللباب عن مالك عدم الاجزاء، وسواء جدد إحراما أم لا. ونحوه للتلمساني والقرافي، ونحوه في الاستذكار لقوله: اختلف في المراهق والعبد يحرمان بالحج ثم يحتلم هذا وقبل ويعتق هذا قبل الوقوف فقال مالك: لا سبيل إلى رفض إحرامهما ويتماديان ولا يجزيهما عن حجة الاسلام ثم ذكر مذهب الشافعي وأبي حنيفة ثم قال: انتهى بمعناه ونص غير واح على أنه يلزمهما التمادي ولا يكون لهما رفض. ثم ذكر كلام صاحب الاكمال المتقدم ولابن عبد البر في التمهيد مثل ماله في الاستذكار. وقال المشذالي في حاشيته بعد أن ذكر كلام صاحب الاكمال: وهذا النقل لا يعرف لغيره. انتهى والله أعلم.
تنبيهات: الأول: هذا الذي ذكرناه ظاهر إذا أحرم الصبي بإذن وليه والعبد بإذن سيده أو أحرما بغير إذن الولي والسيد ثم أجازا. فإن أحرم الصبي بغير إذن وليه، والعبد بغير إذن سيده، ولم يعلم الولي ولا السيد بذلك حتى بلغ الصبي وعتق العبد فلم أر في ذلك نصا صريحا، والذي يظهر من كلامهم أن للولي أن يحلل الصبي ولو بلغ إذا كان سفيها لأنه سيأتي في كلام المصنف في فصل الموانع أن للولي أن يحلل السفيه إذا أحرم بغير إذنه وقاله غير واحد، فيحلله من هذا الاحرام النفل ليحرم بفريضة الحج وهذا ظاهر. وأما إذا بلغ الصبي رشيدا أو انفك عنه الحجر فالظاهر أنه ليس له تحليله، وكذلك العبد إذا أحرم بغير إذن سيده ثم عتق فليس لسيده أن يحلله بعد أن عتق ويتمادى على حجه وعليه حجة الاسلام. وهذا يؤخذ من قول ابن الحاجب: ولو تجاوز الميقات العبد أو الصبي فأعتق أو بلغ أحرم عن فريضته ولو بعرفات ليلتها ولا دم كما لو أسلم نصراني. أما لو كان أحرم قبلهما بإذن معتبر فلا الضمير في كان عائد على أحد المتقدمين العبد والصبي. وقوله قبلهما أي قبل البلوغ والعتق قاله في التوضيح.
ففهم من قوله: بإذن معتبر أنه لو أحرم بغير إذن أو بإذن من لا يعتبر إذنه أن للولي أن يحلله وكلامه هذا بالنسبة إلى الصبي ظاهر لأن للولي تحليل السفيه، وأما بالنسبة إلى العبد فلا، لان بالعتق ارتفع حكم السيد عنه ويجب عليه التمادي فتأمله والله أعلم، وانظر مناسك ابن فرحون.
الثاني: لو أحرم الولي عن المجنون المطبق ثم أفاق بعد إحرام وليه عنه، فالظاهر أن إحرام الولي يلزمه وليس له أن يرفضه ويجدد إحراما بالفرض والله أعلم.
الثالث: قال البساطي في شرح كلام المصنف: ولا يجب على صبي ولا مجنون ولا معتوه انتهى.
قلت: إن كان مراده بالمعتوه المجنون وهو الذي فسره به ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة فقال: المعتوه الذاهب العقل لا يصح منه نية يعيد من ائتم به أبدا. فلا يصح عطفه عليه وإن كان مراده به ضعيف العقل كما هو الغالب في استعمالهم فالظاهر أن الحج لا يسقط عنه.
(٤٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 ... » »»
الفهرست