إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ٢٣٣
(تتمة) يصح الاستثناء بإلا أو إحدى أخواتها في الاقرار كغيره بشروط، الأول وصل المستثني بالمستثنى منه عرفا، فلا يضر سكتة تنفس وعي وانقطاع صوت، بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي، ولو يسيرا، الثاني أن ينويه قبل فراغه من المستثنى منه، وإلا لزم رفع الاقرار بعد لزومه. الثالث عدم استغراق المستثني للمستثنى منه، فإن استغرقه، نحو له علي عشرة إلا عشرة، لم يصح، ما لم يتبعه باستثناء آخر غير مستغرق نحو له علي عشرة إلا عشرة إلا خمسة، فيصح، ويلزمه خمسة. ثم إنه لا فرق في صحة الاستثناء بين أن يكون متصلا، نحو له علي عشرة إلا خمسة، أو منقطعا، نحو له علي ألف إلا ثوبا، ولا فرق أيضا بين تأخير المستثني عن المستثنى منه أو تقديمه عليه، نحو له علي إلا عشرة مائة، ولا فرق أيضا بين الاثبات والنفي. فلو قال ليس له علي شئ إلا عشرة، لزمه عشرة. ولو قال ليس له علي عشرة إلا خمسة، لم يلزمه شئ، لان العشرة إلا خمسة، عبارة عن خمسة، فكأنه قال ليس له علي خمسة. وإذا تكرر الاستثناء بعطف، فالكل من الأول، نحو له علي عشرة إلا ثلاثة وإلا الأربعة، فمجموع المستثنى سبعة، وهو مستثنى من العشرة، فيلزمه ثلاثة أو بغير عطف، فكل واحد مستثنى مما قبله، فلو قال علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا، لزمه خمسة. وطريق معرفة ذلك، أن تخرج المستثنى الأخير مما قبله، ثم تخرج ما بقي مما قبله، وهكذا، ففي هذا المثال تخرج الواحد من الاثنثن وما بقي من الثلاثة وما بقي من الأربعة، وهكذا حتى تنتهي إلى الأول، فما بقي، فهو المقر به. ولك أن تخرج الواحد من الثلاثة، وما بقي من الخمسة، وهكذا مقتصرا على الأوتار. وهذا أسهل من الأول ومحصل للمطلوب. ولك طريق أخرى، وهي أن الاستثناء من الاثبات نفي، ومن النفي إثبات، فالمعنى له علي عشرة تلزم إلا تسعة لا تلزم إلا ثمانية تلزم، وهكذا. فتجمع الاعداد المثبتة، وكذلك المنفية، ثم تسقط مجموع المنفية من مجموع المثبتة، فالاعداد المثبتة، في المثال المذكور، ثلاثون، والمنفية خمسة وعشرون، فإذا أسقطت المجموع من المجموع، بقي خمسة، وهي المقر به.
(ظريفة): قال السيوطي: دخل أبو يوسف على الخليفة هارون الرشيد وعنده الكسائي فقال أبو يوسف له: لو تفقهت لكان أنبل لك. فقال يا أبا يوسف: ما تقول في رجل أقر لفلان بلفظ علي مائة درهم إلا عشرة دراهم إلا درهما واحدا، كم ثبت عليه من الاقرار؟ فقال: تسعة وثمانون. فقال الكسائي له، أخطأت. فقال ولم؟ قال: لان الله تعالى يقول:
* (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) * فهل كانت المرأة مستثناة من الآل أو من القوم؟ قال من الآل. قال كم ثبت حينئذ عليه من الاقرار؟ فقال: أحد وتسعون. اه‍. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) سورة الحجر، الآية: 58.
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»
الفهرست