إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ٣٢٣
ببطلانه، وإلا وجب الحد (قوله: فإن عقد بينه وبين امرأة) أي من غير ولي وشاهدين. وقوله وجب الحد: أي لأنه زنا (قوله: وحيث وجب الحد) أي بأن كان النكاح بلا ولي ولا شهود. وقوله لم يثبت المهر الخ: أي لأنه زنا. وقوله ولا ما بعده: هو النسب والعدة (قوله: وينعقد النكاح الخ) ذكر هذا هنا، وإن كان سيصرح به في الصداق، لمناسبته للصيغة من حيث إن تسمية المهر إنما يكون فيها. فهو استطراد (قوله: بل يسن الخ) الاضراب انتقالي، والأولى أن يقول ويسن، بالواو بدل أداة الاضراب، وسيذكر في باب الصداق أنه قد يجب ذكره لعارض، كأن كانت المرأة غير جائزة التصرف لصغر أو جنون أو سفه (قوله: وكره إخلاؤه) أي العقد وقوله عنه: أي عن ذكر الصداق (قوله: نعم لو زوج أمته بعبده لم يستحب) أي ذكره في العقد، إذ لا فائدة فيه فإنه لا يثبت للسيد على عبده شئ، فلا حاجة إلى ذكره. ومحله حيث لا كتابة وإلا بأن كان أحدهما أو كلاهما مكاتبا استحب، إذ المكاتب كالأجنبي (قوله: وشرط في الزوجة الخ) لما أنهى الكلام على شروط الصيغة شرع في بيان شروط الزوجة التي هي أحد الأركان الخمسة، وذكر أربعة شروط: ثلاثة متنا، وهي خلوها من نكاح وعدة، وتعيين لها، وعدم محرمية. وواحد شرحا: وهو ما سيذكر في التنبيه من اشتراط أن تكون مسلمة أو كتابية (قوله: أي المنكوحة) أي التي يريد أن ينكحها، ولو قال أي المخطوبة لكان أولى، ليفيد أن المراد بالزوجة في عبارته ليس حقيقتها، وإنما المراد بها المخطوبة وإطلاق الزوجة عليها يكون باعتبار ما تؤول إليه (قوله: خلو من نكاح وعدة) أي ولو بادعائها فيجوز تزويجها ما لم يعرف لها نكاح سابق، فإن عرف لها وادعت أن زوجها طلقها أو مات وانقضت عدتها، جاز لوليها الخاص تزويجها (1)، ولا يزوجها الولي العام، وهو الحاكم، إلا بعد ثبوت ذلك عنده،

(١) قوله: جاز لوليها الخاص تزويجها) محله ما لم ينكر زوجها الأول طلاقها ولم تقم بينة على طلاقها، والا فلا يصح. وقد رفع سؤال لمفتي السادة الشافعية شيخنا واستاذنا المرحوم بكرم الله مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان في خصوص هذه القضية وأجاب عنه رحمه الله خالق البرية.
وصورة السؤال ما قولكم دام فضلكم في امرأة خرجت من بيت زجها إلى بيت وليها هاربة ثم بعد مدة ذهبت إلى القاضي وادعت ان زوجها طلقها وانها انقضت عدتها وطلبت منه ان يزوجها فطلب منها القاضي بينة الطلاق فلم تقمها، ثم إن الحاكم حكم عليها ان ترجع إلى بيت زجها فأبت وهربت إلى محل ثان، فجاء بعض علماء ذلك المحل وقال لوليها الخاص انك إذا صدقت قول موليتك في الطلاق وانقضاء العدة جاز لك ان تزوج موليتك، فاغتر بقوله، وزوج موليته، ثم إن الزوج الأول جاء إلى الزوج الثاني وقال له ان نكاحك باطل لأنك عقدت عليها وهي في عصمتي وانا لم أطلقها، فهل ما قاله الزوج الأول صحيح ويترتب عليه انها تنزع من الزوج الثاني وتسلم له أم لا؟ أفتونا بالنص، فان المسألة وقع فيها خلاف عندهم بين علماء ذلك المحل، فمنهم من قال نعم لا يصح نكاح الزوج الثاني وتنزع منه وتسلم للأول، ومنهم من قال يصح نكاح الثاني ولاتنزع منه متمسكا بقولهم ان الولي الخاص إذا صدق قول موليته ان زوجها طلقها وانها انقضت عدتها له تزويجها ومتمسكا بما في التحفة في بال الرجعة وما كتبه سم عليه ونص التحفة: ولو ادعى على مزوجة انها زوجته وقالت كنت زوجتك فطلقتني جعلت زوجة له لاقرارها له كذا أطلقه، وأطال الأذرعي في رده نقلا وتوجيها ثم حمله على مزوجة انها زوجته وقالت كنت زوجتك فطلقني جعلت زوجة له لاقرارها له كدا أطلقه، وأطال الأذرعي في رده نقلا وتوجيها ثم حمله على ما إذا لم تعترف للثاني ولا مكنته ولا أذنت في نكاحها. انتهى. ونص ما كتبه سم: قوله ثم حمله الخ. في شرح الروض نحو هذا التقييد عن البغوي والبلقيني، فقال: نعم، ان أقرت أولا بالنكاح للثاني أو أذنت فيه لم تنزع منه ذكره البغوي، وأشار إليه القاضي وكذا البلقيني فقال: يجب تقييده بما إذا لم تكن المراة أقرت النكاح لمن هي تحت يده ولا يثبت ذلك بالبينة، فان وجد أحدهما لم تنزع منه جزما. انتهى. فقال البعض المذكور قول التحفة ثم حمله يدل على ما قلناه من أن نكاح الثاني صحيح وانها لا تنزع منه، وكذا ما نقله سم في شرح الروض عن البغوي والبلقيني هذا حجته ودليله، فبينوا لنا ذلك فإنكم لو لم تبينوا ذلك لنا عمل بهذه المسألة في ارضنا و حصل من ذلك ضرر عظيم.. لكم الأجر والثواب.
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والسالكين نهجهم بعده. اللهم هداية للصواب. ان لم تقم المراة المذكورة ببينة عادلة على طلاقها من زوجها الأول على عدم الطلاق نزعت من زوجها الثاني لتبين فساد العقد، ثم بعد عدتها من وطئه إن كان تسلم لزوجها الأول، لان المراة المذكورة في صورة السؤال قد علمت زوجيتها للأول باعترافها السابق على تزوجها بالثاني. ومثله لو كانت زوجيتها له معلومة من غير اعترافها. قال العلامة ابن المقري في متن الارشاد من باب العدد ما نصه:
معلوما وادعت طلاقا وتزوجت برجل آخر وادعى الزوج الأول بقاء النكاح وانه لم يطلقها فالقول قوله وقد ذكر في الحاوي مسالة غيرها فقال ما معناه: إذا تزوجت امرأة برجل اخر فجاء اخر وادعاها زوجة فقالت له: طلقني فأنكر: حكم بأنها زوجته لاعترافها له بالنكاح، ويحلف انه ما طلقها ويستحقها. قال في المهمات: وكيف يستقيم ذلك، يعنى تسليمها إلى من اعترفت بنكاحه وادعت طلاقه، وقد تعلق بها حق الزوج الثاني؟ وقد صحح الرافعي فيما إذا باع شيئا ثم اعترف بعد البيع بأنه كان ملكا لغيره انه لا يقبل منه لأنهما قد بتواطان على ذلك.
قال: ولعل المسألة مصورة بما إذا ثبت نكاح الأول. اه‍. ملخصا. وفي فتح الجواد ما نصه: وان تزوجت امرأة كانت في حباله زوج بان ثبت ذلك ولو باقرارها به قبل نكاح الثاني فادعى عليها الأول بقاء نكاحه وانه يطلقها فسئلت، الجواب فإذا هي مدعية انه طلقها وانقضت عدتها منه قبل ان تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف انه لم يطلقها أخذها من الثاني لأنها أقرت له بالزوجية وهو اقرار صحيح:
إذا لم يتفقا على الطلاق. اه‍.
(والحاصل) ان المراة إذا تزوجت فجاء رجل وادعى عليها انها زجته فأجابته بأنك طلقني ولم تأت ببينة على الطلاق، كان لها في هذه الحالة صورتان: أحدهما أن تكون زوجيتها من الأول المدعى معلومة ببينة أو باقرارها أو بغير ذلك، ففي هذه الصورة يحلف زوجها الأول المدعى على عدم الطلاق ويأخذها من الثاني. وهذه هي مسالة السؤال ومسالة متن الارشاد، ولذا قيد في التمشية مسالة متنه بقوله: وقد اعترف بنكاح أو كان معلوما كما تقدم انفا. وقيد الشهاب ابن حجر في فتح الجواد أيضا بقوله: كانت في حبالة زوج بان ثبت ذلك ولو باقرارها به قبل نكاح الثاني، كما تقدم انفا أيضا ثانيتهما: أن تكون المراة مبهمة الحال: أي لم يعرف انها كانت زوجة المدعى وانه طلقها وفى هذه الصورة ينظر، فان كانت قد أذنت في نكاحها بالثاني أو مكنته بقيت عنده ولاتنزع منه، وان لم تكن أذنت في النكاح منه ولا مكنته حلف زوجها الأول ونزعت من الثاني وردت إليه وهذه الصورة الثانية مع ما فيها من التفصيل من كون المراة المجيبة بما ذكر قد أذنت في نكاحها بالثاني أو مكنته أو لم تأذن ولم تمكنه هي مسالة التحفة وكلام ابن قاسم وشرح الروض فيها. إذا تبين ذلك علمت أنه لا يصح التمسك بما في التحفة والاستدلال به على مسالة السؤال. والله سبحانه وتعالى اعلم. أمر برقمه المرتجى من ربه الغفران أحمد بن زيني دحلان. مفتى الشافعية، في مكة المحمية، غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين آمين.
(وأجاب) عنه أيضا شيخنا مؤلف هذه الحاشية المذكورة فقال: اللهم هداية للصواب. نعم، النكاح الثاني باطل لان الأصل عدم الطلاق وبقاء العصمة فتنزع من الزوج وتسلم للأول كرها، لكن محله إذا لم تقم بينة على الطلاق وحلف الزوج الأول على عدم الطلاق، كما صرح بذلك في متن الارشاد في باب العدة، ونص عبارته: وان تزوجت مدعية انه طلقها فحلف أخذها. اه‍.
قال محشيه التزيلى اليمني: يعنى إذا ادعت امرأة ان زوجها طلقها ثم تزوجت بأخر فأنكر الزوج الأول الطلاق فإنه يحلف وتسلم إليه المراة ويلغو نكاح الثاني، لان الأصل عدم الطلاق. اه‍.
ومثله في شرح ابن حجر في فتح الجواد وعبارته: وان تزوجت امرأة كانت في مدعية انه طلقها وانقضت عدتها منه قبل ان تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف انه لم يطلقها أخذها من الثاني، لأنها أقرت له بالزوجية، وهو اقرار صحيح. إذا لم يتفقا على الطلاق اه‍. ويؤيده أيضا عبارة الروض وشرحه في الباب السادس في مسائل منثورة تتعلق بآداب القضاء والشهادات والدعاوى ونصها: فصل في فتاوي البغوي، انها لو أقرت لرجل بنكاح من سنة وأثبت اخر، أي أقام بينة بنكاحها من شهر، حكم للمقر له، لأنه قد ثبت باقرارها النكاح للأول، فما لم يثبت الطلاق لا حكم للنكاح الثاني. اه‍. فقوله فما لم يثبت الخ: نص في المسألة.
(فان قلت) فما تصنع في صورة التحفة السابقة فإنها عين الصورة المسؤول عنها والحال ان الأذرعي حملها على ما إذا لم تعترف للثاني ولأمكنته ولا أذنت في نكاحه؟ ومفهومه انها إذا اعترفت للثاني بالزوحية ومكنته أو أذنت في نكاحها لا تجعل زوجة للأول تبقى زوجة للثاني، ومثله ما كتبه ابن قاسم، فان ذلك كله يناقض ما نقلته عن الارشاد. وما كتب عليه. قلت: ليست صورة التحفة عين الصورة المسؤول عنها ولا تناقض بينهما. وبيان ذلك أن الصورة المسؤول عنها مفروضة في امرأة علم قبل النكاح الثاني لها بالبينة وباقرارها انها زوجة فلان وادعت الطلاق ولم تثبت. وصورة التحفة مفروضة في امرأة مستبهمة، أي لم يعلم قبل نكاح الثاني لها أنها مزوجة بل هي كانت تحت حبالة الثاني فجاء رجل آخر وادعى انها زوجته، فهذه الصور فيها تفصيل، فان أقرت للأول بزوجة ولم تقر للثاني ولم تمكنه من الوطء ولم تأذن له في النكاح فيأخذها الأول وتكون زوجة له، واما ان أقرت للثاني بالزوجية أو أقامت بينة عليها فهي زوجته ولم تنزع منه. ويدل لكون صورة التحفة المذكورة مفروضة في المبهمة، أي التي لم يعلم قبل نكاح الثاني انها كانت مزوجة صريح عبارة فتح الجواد ونصه بعدما نقلته عنه آنفا: والحق الحاوي، كالشيخين، بذلك ما لو استبهمت بان لم يعلم نكاح أحد لها وإنما هي تحت حبالة رجل فادعى آخر انها زوجته فقالت طلقني وأنكر فيحلف ويأخذها أيضا. نعم، ان أقرت أولا بالنكاح للثاني أو أذنت فيه لم تنزع منه، كما قاله القاضي وغيره، واعتمده الأدرعي وغيره، كما لو نكحت باذنها ثم ادعت رضاعا محرما لا يقبل. قال الباقيني: وكذا لو ثبت نكاح الثاني بالبينة. اه‍. ومثلها عبارة البهجة وشرحها ونصها بعد كلام: الا إذا ادعى على مستبهمة أي لم يعرف انها كانت زوجته وطلقها تحت امرئ زوجية مقدمة على نكاحه، فان تقل في الجواب كنت زوجتك لكن طلقني وهو، أي الزوج، نفى هذا، أي طلاقها، تكن زوجته ان حلف انه لم يطلق، لان الأصل عدم الطلاق، بخلاف الأولى فإنهما اتفقا على الطلاق والأصل عدم الرجعة. نعم: ان أقرت أولا بالنكاح للثاني أو أذنت فيه لم تنزع منه، كما لو نكحت رجلا باذنها ثم أقرت برضاع محرم بينهما لا يقبل اقرارها، وكما لو باع شيئا ثم أقر انه كان ملك فلان لا يقبل اقراره. ذكره البغوي وأشار إليه القاضي، وكذا البلقيني بحثا. فقال: يجب تقييده بما إذا لم تكن المراة أقرت بالنكاح لمن هي تحت يده ولا ثبت ذلك بالبينة، فان وجد أحدهما لم تنزع منه جزما. اه‍. والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب.
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 325 326 327 328 329 ... » »»
الفهرست