إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ٢٨٥
وقد تصير مضمونة بعوارض الخ. وحاصل تلك الأسباب التي تعرض للوديعة الموجبة للضمان عشرة نظمها الدميري بقوله:
عوارض التضمين عشر ودعها وسفر ونقلها وجحدها وترك إيصاء ودفع مهلك ومنع ردها وتضييع حكي والانتفاع وكذا المخالفة في حفظها إن لم يزد ما خالفه وقد ذكر معظمها الشارع رحمه الله تعالى. وقوله ودعها، بفتح الواو وسكون الدال، يعني إيداعها لغيره بلا إذن من المالك ولا عذر من الوديع ولو كان ذلك الغير قاضيا أو ولده أو زوجته أو خادمه، فما يقع كثيرا من أن الوديع يعطي الوديعة لولده أو زوجته أو خادمه ليحفظها كل منهم في حرزه موجب للضمان، لان المودع لم يرض بذلك. نعم، له الاستعانة بمن يحملها لحرز أو يعلفها أو يسقيها لان العادة جرت بذلك. وقوله وسفر، يعني السفر بها مع القدرة على ردها، لأنه عرضها للضياع، إذ حرز السفر دون حرز الحضر. وقوله ونقلها، يعني نقلها من محلة أو دار إلى أخرى دونها في الحرز، أي دون المحلة أو الدار الأولى في الحرز. وقوله وجحدها، أي بلا عذر بعد طلب من مالك لها، بخلاف ما لو جحدها بعذر كدفع ظالم عن مالكها أو جحدها بلا طلب من مالكها ولو بحضرته، لان إخفاءها أبلغ في حفظها. وقوله وترك إيصاء، أي أن يترك الايصاء بالوديعة عند المرض أو السفر للقاضي أو الأمين عند فقد القاضي، فإن الايصاء بها لمن ذكر يقوم مقام ردها إليه، فهو مخير عند فقد المالك ووكيله بين ردها للقاضي والإيصاء بها إليه، وعند فقد القاضي بين ردها للأمين والإيصاء بها إليه. والمراد بالايصاء بها الاعلام بها مع وصفها بما تتميز به إن كانت غائبة، أو الإشارة لعينها إن كانت حاضرة، والامر بردها، فإن لم يفعل ما ذكر كما ذكر ضمن إن تمكن من ردها أو الايصاء بها لأنه عرضها للفوات، إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه. وقوله ودفع مهلك، بالجر عطف على إيصاء، أي وترك دفع مهلك، كترك تهوية ثياب صوف وترك لبسها عند حاجتها لذلك وقد علمها فيلزمه تهويتها أو لبسها عند حاجتها لذلك وعلمه بها وباحتياجها لذلك وتمكنه منه بأن أعطاه المفتاح لان الدود يفسدها وكل من الهواء وعبوق رائحة الآدمي بها يدفعه. وقوله ومنع ردها، أي بلا عذر بعد طلب مالكها لها، بخلاف ما لو كان بعذر كصلاة وأكل ونحوهما. والمراد بردها التخلية بينها وبين المالك، وأما حملها إليه فلا يلزمه. وقوله وتضييع: أي لها، أي يتسبب في ضياعها كأن يضعها في غير حرز مثلها أو ينساها أو يدل عليها ظالما معينا محلها أو يسلمها له ولو مكرها ويرجع الوديع إذا غرم بها على الظالم لان قرار الضمان عليه فإن المستولي على المال عدوانا. ولو أخذها الظالم من يده قهرا عليه فلا ضمان على الوديع، وكذا لو أعلمه بأنها عنده من غير تعيين مكانها فلا يضمن بذلك وإن كان يجب عليه إنكارها والامتناع من الاعلام بها جهده، وله أن يحلف على ذلك لمصلحة حفظها، ويجب عليه أن يوري في يمينه إن عرف التورية وأمكنته، فإن لم يور كفر عن يمينه إن حلف بالله، لأنه كاذب فيها، فإن حلف بالطلاق أو العتق حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه. وقوله والانتفاع: أي بها كأن يلبس الثوب ويركب الدابة بلا عذر، بخلاف ما إذا كان لعذر كلبس الثوب لدفع الدود وركوب الدابة لدفع الجماح فلا ضمان بذلك لأنه لمصلحة المالك. وقوله وكذا المخالفة في حفظها، كقوله لا ترقد على الصندوق الذي فيه الوديعة فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه بانكساره فيضمن بذلك لمخالفته المؤدية للتلف، لا إن تلف بغير ذلك، كسرقة فلا يضمن.
وقوله إن لم يزد ما خالفه، أي لم يزد في الحفظ الذي خالفه، كأن قال لا تقفل عليه فأقفل (قوله: بإيداع غيره) أي بوضع الوديعة عند غيره، ومعنى كونه يضمن بإيداع غيره أنه يصير طريقا في الضمان لان للمالك أن يضمن من شاء الأول أو الثاني، فإن ضمن الثاني وهو جاهل بالحال رجع على الأول، وإن ضمن الأول رجع على الثاني إن علم، لا إن جهل، كذا في المغني (وقوله: ولو قاضيا) أي ولو كان ذلك الغير قاضيا فإنه يضمن بإيداعه إياه، والغاية للرد على من يقول إن أودع القاضي لم يضمن لأنه نائب الشرع. (وقوله: بلا إذن من المالك) متعلق بإيداع، وهو قيد في الضمان. وخرج به ما لو أذن له في أن يودعها غيره فالثاني وديع أيضا ولا يخرج الأول عن الايداع إلا إن ظهر من المالك قرينة على استقلال
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست