إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ٢٥
قال الزركشي: لكن له الدعوى عليه، وإلزامه بالسفر إلى محل التسليم، أو التوكيل، ولا يحبس. اه‍. (قوله: ويصح السلم حالا) أي بأن صرح بالحلول. (وقوله: ومؤجلا) أي بأن صرح بالتأجيل بالنسبة للمسلم فيه، أما رأس المال، فلا يصح فيه الاجل، ويجب قبضه حقيقة في المجلس - كما تقدم - أما المؤجل: فبالنص، وأما الحال: فبالأولى - لبعده عن الغرر - (فإن قيل) الكتابة تصح بالمؤجل ولا تصح بالحال. (أجيب) بأن الاجل إنما وجب فيها لعدم قدرة الرقيق على نحو الكتابة، والحلول يقتضي وجوبها حالا. (وقوله: بأجل معلوم) متعلق بمؤجل، أي مؤجل بأجل معلوم للعاقدين، أو للعدلين، كإلى شهر رمضان. (قوله: لا مجهولا) أي لا مؤجل بأجل مجهول، فلا يصح. فلو قال أسلمت إليك بهذا إلى قدوم زيد: لم يصح، للجهل بوقت الحلول. (قوله: ومطلقه إلخ) أي أن مطلق السلم، أي الذي لم يصرح فيه بحلول أو أجل. (وقوله: حال) أي ينعقد حالا، كما أنه إذا أطلق البيع، ينعقد حالا. قال سم: وإن ألحقا به أجلا في المجلس:
لحق، أو ذكرا أجلا ثم أسقطاه في المجلس: سقط. اه‍. (قوله: ومطلق المسلم فيه جيد) أي أن المسلم فيه إذا لم يقيد بجودة ولا رداءة: ينصرف للجيد - للعرف، ولكن ينزل على أقل درجات الجيد لا على أعلاها.
(قوله: وحرم ربا) (1) هو بالقصر لغة الزيادة، قال الله تعالى: * (اهتزت وربت) * (2) أي زادت ونمت. وشرعا: عقد واقع على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع، أو واقع مع تأخير في البدلين، أو أحدهما.
(واعلم) أن غالب ما ذكره هنا هو عين ما مر في قوله وشرط في بيع ربوي إلخ، فكان الأولى أن يستوفي الكلام هناك على ما يتعلق ببيع الربوي، أو لا يذكر هناك شيئا أصلا ويستغني بما ذكره هنا عما ذكره هناك - كما صنع في المنهج -.
وقد ورد في تحريم الربا شئ كثير من الآيات والأحاديث والآثار، منها ما تقدم، ومنها قوله تعالى: * (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * قال بعضهم في تفسير هذه الآية: إن آكل الربا أسوأ حالا من جميع مرتكبي الفواحش، فإن كل مكتسب له توكل ما في كسبه، قليلا كان أو كثيرا - كالتاجر والزارع - إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم، ولم تتعين لهم قبل الاكتساب، فهم على غير معلوم في الحقيقة، كما قال (ص): أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم، وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه، فهو محجوب عن ربه بنفسه، وعن رزقه بتعيينه، لا توكل له أصلا، فوكله الحق سبحانه وتعالى إلى نفسه وعقله، وأخرجه من حفظه، فاختطفته الجن، وخبلته، فيقوم يوم القيامة كالمصروع الذي مسه الشيطان، فتخطفه الزبانية، وتلقيه في النيران - فيجب على كل مؤمن أن يتباعد مما يغضب الجبار، ويتوب ويرجع إلى العزيز الغفار، فعساه يغفر له خطاياه - كما قال تعالى: * (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (3).
والمال الحاصل من الربا: لا بركة له، لأنه إنما حصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبته وخيمة، وصاحبه يرتكب سائر المعاصي - إذ كل طعام يوصل آكله إلى دواع وأفعال من جنسه - فإن كان حراما: يدعوه إلى أفعال محرمة، وإن كان مكروها: يؤديه إلى أفعال مكروهة، وإن كان طيبا: يوصله إلى الطيبات فآكل الربا عليه إثم الربا، والافعال التي حصلت بسببه، فتزداد عقوبته وإثمه أبدا، ويتلف الله ماله في الدنيا، فلا ينتفع به أعقابه وأولاده، فيكون ممن خسر الدنيا

(1) والأصل في تحريم الربا قوله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخطفه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) (البقرة، الآية: 275) وقوله تعالى: (ويمحق الله الربا ويربي الصدقات) (البقرة 276).
وقول الله عز وجل: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) (البقرة: 278 - 279). وما ورد عن النبي (ص) أنه قال: " لعن اكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء " رواه البخاري.
(2) سورة الحج، الآية: 5، وفصلت، الآية: 39.
(3) سورة البقرة، الآية: 275.
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»
الفهرست