إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ١٨٢
في كراهة التفضيل الذكر منهم والأنثى (قوله: إلا لتفاوت الخ) راجع لقوله يكره بالنسبة للصنفين الفروع والأصول أي يكره ما ذكر إلا لتفاوت في الحاجة أو الفضل فلا يكره والحاصل محل الكراهة عند الاستواء في الحاجة وعدمها وفي الدين وقلته وفي البر وعدمه وإلا فلا كراهة وعلى ذلك يحمل تفضيل الصحابة بعض أولادهم كالصديق رضي الله عنه فإنه فضل السيدة عائشة على غيرها من أولاده كسيدنا عمر فإنه فضل ابنه عاصما بشئ وكسيدنا عبد الله بن عمر فإنه فضل بعض أولاده على بعضهم رضي الله عنهم أجمعين (قوله: على الأوجه) متعلق ببكره أيضا أي يكره ذلك على الأوجه ومقابلة ما ذكر بعد قوله قال: جمع يحرم أي التفضيل وعبارة التحفة فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال:
جمع يحرم. اه‍ (قوله: ونقل) بصيغة المبني للمعلوم وفاعله يعود على النووي ومفعوله الجملة بعده فهي المنقولة وساقه في التحفة مستدركا به على كراهة تفضيل الأصول ونصها فإن فضل كره خلافا لبعضهم نعم في الروضة فإن فضل فالأولى أن يفضل الام الخ. ثم قال: وقضيته عدم الكراهة إذ لا يقال في بعض جزئيات المكروه أنه أولى من بعض اه‍. وسياق عبارة الشارح يفيد أنه إذ أراد أن يفضل مع ارتكابه للكراهة أو للحرمة على القولين فليفضل الام مع أنه ليس كذلك فكان الأولى له أن يسلك ما سلكه شيخه ليسلم من ذلك فتنبه (قوله:
فإن فضل) أي أراد ذلك وقوله في الأصل أي في أصوله وهذا ليس في عبارة التحفة فهو من زيادته فكان الأولى أن يزيد أي التفسيرية (قوله: بل في شرح مسلم) الاضراب انتقالي (قوله: الاجماع على تفضيلها في البر) قال في التحفة وإنما فضل عليها في الإرث لما يأتي أن ملحظه العصوبة والعاصب أقوى من غيره وما هنا ملحظه الرحم وهي فيه أقوى لأنها أحوج اه‍.
(واعلم أن أفضل البر، بر الوالدين، بالاحسان إليهما، وفعل ما يسرهما من الطاعات لله تعالى وغيرهما مما ليس بمنهي عنه. قال تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا) * (1) الآية، وقال ابن عمر رضي الله عنهما:
كان تحتي امرأة، وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي طلقها، فأبيت، فأتى عمر النبي (ص)، فذكر ذلك، فقال لي النبي (ص): طلقها رواه الترمذي وحسنه، ومن برهما: الاحسان إلى صديقهما، لخبر مسلم: إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه ومن الكبائر: عقوق الوالدين، وهو أن يؤذيهما أذى ليس بالهين - ما لم يكن أذاهما به واجبا وصلة الرحم، أي القرابة مأمور بها أيضا، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به واصلا، وتكون بالمال، وقضاء الحوائج، والزيارة، والمكاتبة، والمراسلة بالسلام، ونحو ذلك. روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة: واصل الرحم، وامرأة مات زوجها وترك أيتاما فتقوم عليهم حتى يغنيهم الله أو يموتوا، ورجل اتخذ طعاما ودعا إليه اليتامى والمساكين وقال (ص): رأيت في الجنة قصورا من در وياقوت وزمرد، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، فقلت يا جبريل: لمن هذه المنازل قال: لمن وصل الأرحام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام، ورفق بالأيتام، وصلى بالليل والناس نيام ويتأكد أيضا استحباب وفاء الوعد، قال تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * (2)، وقال: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (3)، وقال: * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * (4) ويتأكد كراهة إخلاف الوعد. قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * (5) وروى الشيخان خبر: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان زاد مسلم

(1) سورة الإسراء، الآية: 23.
(2) سورة النحل، الآية: 91.
(3) سورة المائدة، الآية: 1.
(4) سورة الإسراء، الآية: 34.
(5) سورة الصف، الآية: 2، 3.
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست