مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ١٢٢
ولو بعث بشئ مع غيره إلى فقير فلم يجده استحب للباعث أن لا يعود فيه بل يتصدق به على غيره. وتسن الصدقة بالماء، لخبر: أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، أي في الأماكن المحتاج إليه فيها أكثر من غيره. ويكره للانسان أن يتملك صدقته أو زكاته أو كفارته أو نحوها من الذي أخذها، لخبر: العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه، ولأنه قد يستحي منه فيحابيه، ولا يكره أن يتملكها من غير من ملكها له، ولا بالإرث ممن ملكها له. (ومن عليه دين أو) لم يكن عليه (و) لكن (له من تلزمه نفقته يستحب) له (أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه) فالتصدق بدونه خلاف المستحب.
تنبيه: عبارة المصنف لا تطابق ما في المحرر وغيره من كتب الشيخين، فإنهما قالا: لا يستحب له أن يتصدق.
قال الولي العراقي: وبين العبارتين تفاوت ظاهر، وبيانه أن عبارة المصنف أفادت أن عدم التصدق مستحب فيكون التصدق خلاف الأولى، وعبارة المحرر وغيره أن التصدق غير مستحب فتصدق بأن يكون واجبا أو حراما أو مكروها، فإن ذلك كله غير مستحب. (قلت: الأصح تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته) أو يحتاج إليه لنفقة نفسه ولم يصبر على الإضافة، (أو لدين لا يرجو له وفاء) لو تصدق به: (والله أعلم) أما تقديم ما يحتاجه للنفقة فلخبر: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت، وابدأ بمن تعول رواه أبو داود بإسناد صحيح ورواه مسلم بمعناه. ولان كفايتهم فرض وهو مقدم على النفل، والضيافة كالصدقة. كما قاله المصنف في شرح مسلم، قال: وأما خبر الأنصاري الذي نزل به الضيف فأطعمه قوته وقوت صبيانه، فمحمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين حينئذ إلى الاكل وأما الرجل والمرأة فتبرعا بحقهما وكانا صابرين، وإنما قال فيه لامهم: نوميهم، خوفا من أن يطلبوا الاكل على عادة الصبيان في الطلب من غير حاجة. وما ذكر من أنه يحرم عليه التصدق بما يحتاج إليه لنفسه صححه في المجموع ونقله في الروضة عن كثيرين، لكنه صحح فيها عدم التحريم. قال شيخنا: وهو محمول على من صبر كما أفاده كلامه في المجموع. وعلى الأول يحمل ما قالوه في التيمم من حرمة إيثار عطشان عطشان آخر بالماء، وعلى الثاني يحمل ما في الأطعمة من أن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما. وأما تقديم الدين فلان أداءه واجب فيتقدم على المسنون، فإن رجاله وفاء من جهة أخر ظاهرة فلا بأس بالتصدق به إلا إن حصل بذلك تأخير، وقد وجب وفاء الدين على الفور بمطالبة أو غيرها، فالوجه وجوب المبادرة إلى إيفائه وتحريم الصدقة بما يتوجه إليه دفعه في دينه كما قاله الأذرعي. (وفي استحباب الصدقة بما) أي بكل ما (فضل عن حاجته) أي كفايته وكفاية من تلزمه كفايته يومه وليلته كسوة فصله، لا ما يكفيه في الحال فقط، لا ما يكفيه في سنته كما هو قضية كلام الاحياء، ولوفاء دينه. (أوجه، أصحها إن لم يشق عليه الصبر) على الإضافة (استحب) له (وإلا فلا) يستحب، بل يكره كما في التنبيه. وعلى هذا التفصيل تحمل الأحاديث المختلفة الظاهر كخبر: إن أبا بكر تصدق بجميع ماله رواه الترمذي وصححه، وخبر: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أي غنى النفس وصبرها على الفقر. رواه أبو داود وصححه الحاكم.
والوجه الثاني: يستحب مطلقا، والثالث: لا يستحب مطلقا. أما الصدقة ببعض ما فضل عما ذكر فمستحب مطلقا إلا أن يكون قدرا يقارب الجميع، فينبغي جريان التفصيل السابق فيه. والمن بالصدقة حرام مبطل محبط للاجر، لقوله تعالى: * (يا أيها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) *، ولخبر مسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب.
خاتمة: يكره للانسان أن يسأل بوجه الله غير الجنة، وأن يمنع من يسأل بالله وتشفع به لخبر: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة وخبر: من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع لكم معروفا فكافئوه،
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460