مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ١١١
وقع النزاع بينهما في قتيل لم يظهر قاتله فيستدين ما يسكن به الفتنة وما دون النفس من الأطراف وغيرها. وإتلاف المال في ذلك كالنفس كما شمل ذلك عبارة المصنف: (أعطي) إن كان الدين باقيا (مع الغنى) بالعقار قطعا وبالعرض على المذهب وبالنقد على الأصح (وقيل: إن كان غنيا بنقد فلا) يعطى حينئذ، لأن إخراجه في الغرم ليس فيه مشقة غيره.
وأجاب الأول بعموم الآية، ولأنه لو شرط الفقر فيه لقلت الرغبة في هذه المكرمة. أما إذا لم يكن الدين باقيا كأن أداه من ماله فإنه لا يعطى. الضرب الثالث الذي أسقطه المصنف: من لزمه دين بطريق الضمان عن معين لا في تسكين فتنة، فيعطى إن أعسر مع الأصل، وإن لم يكن متبرعا بالضمان أو أعسر وحده وكان متبرعا بالضمان لأنه إذا غرم لا يرجع عليه، بخلاف ما إذا ضمن بالاذن، وصرفه إلى الأصيل المعسر أولى لأن الضامن فرعه، وإن أعسر الأصيل وحده أعطي دون الضامن، بخلاف الأصيل أو الضامن الموسر إذ لا حق له في الزكاة. وإذا أعطي الضامن وقضى به الدين لم يرجع على الأصيل وإن ضمن بإذنه، وإنما يرجع إذا غرم من عنده بشرطه، وإن كانا موسرين لم يعط واحد منهما. ولو استدان لمصلحة عامة كقرى ضيف وعمارة مسجد وبناء قنطرة وفك أسير فهو كمن استدان لمصلحة نفسه كما قاله السرخسي، وجرى عليه أبو عبد الله الحجازي في مختصر الروضة، وجزم به في الأنوار، وقال الأذرعي: هو الذي يقتضيه كلام الأكثرين، واعتمده شيخي، وقيل: يعطى عند العجز عن النقد لا عن غيره كالعقار، وجرى عليه الروياني والماوردي وجزم به ابن المقري في روضه، وحكى في الروضة المقالتين من غير الترجيح.
تنبيه: اشتراط المصنف حلول الدين في الضرب الأول يقتضي أنه لا يشترط في الضرب الثاني، ووجه بأنه كما يجوز الاعطاء فيه مع الغني يجوز مع التأجيل، وظاهر كلامهم أنه لا فرق، إذ لا طلب للمدين الآن، والتسليم لما يستحقه المكاتب أو الغارم إلى السيد أو الغريم بإذن المكاتب أو الغارم أحوط وأفضل إلا أن يكون ما يستحقه أقل مما عليه وأراد أن يتجر فيه فلا يستحب تسليمه إلى من ذكر. وتسليمه إليه بغير إذن المكاتب أو الغارم لا يقع زكاة لأنهما المستحقان، ولكن يسقط عنهما بقدر المصروف لأن من أدي عنه دينه بغير إذنه تبرأ ذمته، ولو أعتق المكاتب أو أبرئ الغارم أو استغنيا وبقي مال الزكاة في أيديهما استرد منهما بزيادته المتصلة، ولو أتلفاه قبل الاعتاق والبراءة لم يغرما لتلفه على ملكهما مع حصول المقصود أو بعده غرماه لعدم حصول المقصود به. وللمكاتب والغارم أن يتجرا في المأخوذ ليربحا فيه. ولو أراد أحدهما أن ينفق ما أخذه ويؤدي من كسبه منع المكاتب لا الغارم. ولو أدى الغارم الدين من قرض فلم يسترد منه ما أخذه حتى لزمه دين صار به غارما استرد منه لأنه صار كالمستسلف له قبل غرمه في أحد وجهين رجحه بعض المتأخرين، وقيل: لا، لأنه يجوز دفعه إليه الآن. ولو بان القابض للزكاة من المالك غير مستحق لها كغني لم يحزه، وإن أعطاها له ببينة شهدت له بالوصف الذي أعطاه به، لانتفاء شرطه. ثم شرع في الصنف السابع، فقال:
(وسبيل الله تعالى غزاة) ذكور لا فئ لهم، أي لا اسم لهم في ديوان المرتزقة بل يتطوعون بالغزو حيث نشطوا له وهم مشتغلون بالحرف والصنائع. (فيعطون) من الزكاة (مع الغنى) لعموم الآية وإعانة لهم على الغزو، بخلاف من لهم الفئ، وهم المرتزقة الثابت أسماؤهم في الديوان، فلا يعطون من الزكاة ولو عدم الفئ في الأظهر بل يجب على أغنياء المسلمين إعانتهم. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان أهل الفئ على عهد رسول الله (ص) بمعزل عن أهل الصدقات، وأهل الصدقات بمعزل عن أهل الفئ ولأنهم أخذوا بدل جهادهم من الفئ، فلو أخذوا من الزكاة أخذوا بدلين عن بدل واحد، وذلك ممتنع، ولكل ضرب منهما أن ينتفل إلى الضرب الآخر. وإنما فسر سبيل الله بالغزاة لأن استعماله في الجهاد أغلب عرفا وشرعا بدليل قوله تعالى في غير موضع: * (يقاتلون في سبيل الله) * فحمل الاطلاق عليه وإن كان سبيل الله بالوضع هو الطريق الموصلة إليه وهو أعم. ولعل اختصاصه بالجهاد، لأنه طريق إلى الشهادة الموصلة إلى الله تعالى فهو أحق بإطلاق سبيل الله عليه. ثم شرع في الصنف الثامن فقال:
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460