مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ١١٠
إليه في نوبته وإلا فلا، وإنما لم يعط المكاتب من زكاة سيده لعود الفائدة إليه. فإن قيل: لرب الدين أن يعطى غريمه من زكاته فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المكاتب ملك لسيده فكأنه أعطى مملوكه، بخلاف الغارم. ويعطى المكاتب مع قدرته على كسب ما يؤدي به النجوم. فإن قيل: قد مر أن الفقير والمسكين لا يعطيان حينئذ كما مر، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن حاجتهما تتحقق يوما بيوم، والكسوب يحصل كل يوم كفايته، ولا يمكن تحصيل كفاية الدين إلا بالتدريج، ولا يزادون على ما يؤدون لعدم الحاجة إليه. ولو استدان المكاتب شيئا فك به رقبته أعطي من سهم الغارمين لا المكاتبين كما نقلاه عن فتاوى البغوي. ولو عجز المكاتب استرد منه ما أخذه إن كان باقيا. وتعلق بدله بذمته إن كان تالفا لحصول المال عنده برضا مستحقه. فلو قبضه السيد رده إن كان باقيا، وغرم بدله إن كان تالفا.
ولو ملكه السيد شخصا لم يسترده منه بل يغرمه السيد. ثم شرع في الصنف السادس، وهو من لزمه دين، وهو على ثلاث أضرب: دين لزمه لمصلحة نفسه، ودين لزمه لتسكين فتنة وهو إصلاح ذات البين، ودين لزمه لا لتسكينها، والمصنف أسقط هذا الضرب. ولكنه يؤخذ من مفهوم قوله: استدان لنفسه. وقد بدأ بالضرب الأول من ذلك، فقال:
(والغارم إن استدان لنفسه) شيئا يصرفه في غرضها (في غير معصية) من طاعة أو مباح، كحج وجهاد وتزوج وأكل ولبس، (أعطي) ومثله من لزمه الدين بغير اختياره، كما لو وقع على شئ فأتلفه، بخلاف المستدين في معصية، ومثل الرافعي الاستدانة للمعصية بثمن الخمر والاسراف في النفقة. فإن قيل: قد سبق في الحجر عدم تحريم الاسراف في المطاعم ونحوها على الأصح. أجيب بأن المراد هنا إسراف في نفقة بقرض لا يرجو له وفاء بخلافه هناك، ومثله من لزمه الدين بإتلاف مال الغير عدوانا فلا يعطى: (قلت: الأصح يعطى) مع الفقر (إذا تاب) عنها، (والله أعلم) لأن التوبة قطعت حكم ما قبلها فصار النظر إلى حال وجودها كالمسافر لمعصية إذا تاب فإنه يعطى من سهم ابن السبيل. قال الرافعي: ولم يتعرضوا هنا لمدة الاستبراء ليظهر حاله، إلا أن الروياني قال: يعطى إذا غلب على الظن صدقه في توبته فيمكن حملا على إطلاقهم عليه، قال في المجموع: والظاهر ما قاله الروياني وإن قصرت المدة. والثاني: لا يعطى لأنه ربما اتخذ ذلك ذريعة ثم يعود قال الإمام: ولو استدان لمعصية ثم صرفه في مباح أعطي، وفي عكسه يعطى أيضا إن عرف قصد الإباحة أو لا، ولكنه لا يصدق فيه، والأولى واردة على المصنف واستدراكه لما يفهمه عموم مفهوم الشرط من قوله:
إن استدان في غير معصية فإنه يفهم أن المستدين لمعصية لا يعطى مطلقا، ولهذا نقل في الروضة عن المحرر الجزم بأنه لا يعطى، ومراده ما اقتضاه عموم المفهوم. (والأظهر اشتراط حاجته) أي المستدين بأن لا يقدر على وفاء ما استدانه، لأنه إنما يأخذ لحاجته كالمكاتب، فلو وجد ما يقضي به دينه لم يعط. قال الرافعي: ومن المهم البحث عن معنى الحاجة، وعبارة أكثرهم تقتضي كونه فقيرا لا يملك شيئا وربما صرحوا به. ثم قال: والأقرب قول بعض المتأخرين: لا يعتبر الفقر والمسكنة، بل لو ملك قدر كفايته، ولو قضى دينه مما معه تمسكن فيترك له مما معه ما يكفيه ويعطى ما يقضي به باقي دينه، ووافقه في الروضة والمجموع.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أمرين: أحدهما أنه لو قدر على قضاء دينه بالاكتساب أنه لا يعطى، والأصح كما في الروضة أنه يعطى لأنه لا يقدر على قضائه إلا بعد زمن وحاجته حاصلة في الحال لثبوت الدين في ذمته، وقد يقال هو حينئذ محتاج. ثانيهما: عود الخلاف إلى التائب تفريعا على إعطائه، وليس مرادا، بل اشتراط الحاجة مجزوم به في هذه الصورة، والخلاف عائد للاستدانة في غير معصية (دون حلول الدين) فلا يشترط في الأظهر كما يشعر به كلامه، لكن قوله: (قلت: الأصح اشتراط حلوله، والله أعلم) يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو ما في الشرحين والروضة:
وإنما لم يعط قبل الحلول لعدم حاجته إليه الآن، وقد تقدم الفرق بينه وبين المكاتب. ثم شرع في الضرب الثاني، فقال: (أو) أي أو استدان (لاصلاح ذات البين) أي الحال بين القوم، كأن يخاف فتنه بين شخصين أو قبيلتين
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460