دلالتهما، أما الخبر فواضح إذ ليس مقتضاه إلا وجوب الخروج عن الدار بعد أن وقفها على غيره ولا دلالة فيه على عدم جواز الوقف على نفسه، وأما المكاتبة فالظاهر أنه أيضا كذلك فالمراد أنه إذا وقف على الفقراء لا يجوز أن يأكل ما دام حياته، ولا دلالة فيها على عدم جواز أن يجعل شيئا من الوقف لنفسه مدة حياته، ويمكن أن يقال:
لعل نظر المستدل بالخبر المذكور إلى أنه مع صدق العنوان الموقوف عليه على الواقف ليس له أن تسكن فيها فإنه مع كون الوقف على الغير لا شبهة في كون الواقف أجنبيا ليس له التصرف ولا أقل من شمول مورد السؤال إن كان سؤال في البين لما ذكر من صدق العنوان على نفس الواقف فإذا لم يجز له التصرف في هذه الصورة فلعل صورة الوقف على نفسه بالاستقلال لا تصح بطريق أولى. وأما المكاتبة فلعل نظر المكاتب إلى أنه مع الوقف على المستضعفين وكون نفسه منهم يجوز له أن يأكل منه أم لا، فأجيب بعدم الجواز وإلا فالوقف على الإخوان كيف يجوز للواقف الخارج أن يأكل منه حتى يحتاج إلى السؤال ولا أقل من احتمال كون نظر السائل إلى ما ذكر فالجواب بالمنع مع هذا الاحتمال يشمل هذه الصورة وإلا للزم السؤال عن مراد السائل، ثم إنه بعد الفراق عن اعتبار التأبيد في الوقف فلو جعله إلى أمد كان حبسا ولا يكون باطلا كما قيل لكفاية قصد حقيقة الحبس وهو متحقق وتخيل أنه وقف يترتب عليه آثار الوقفية لا يضر ولم يؤخذ في مفهوم الوقف التأبيد حتى يقال مع قصد الوقف في الإنشاء كيف يتحقق ما هو مباين له، ولا مجال أيضا لدعوى التباين من جهة أن مقتضى الوقف الخروج عن ملك الواقف والدخول في ملك الموقوف عليه، ومقتضى الحبس عدم الخروج عن ملك الحابس لأن الخروج عن ملك الواقف في الوقف من جهة التأبيد وهو منتف.
ويمكن أن يقال ما ذكر من أنه إذا جعله إلى أمد يكون حبسا في ما يكون قابلا للبقاء، وأما ما لا يكون قابلا للبقاء وذا منفعة فلا مانع من كونه إلى أمد يكون منتهى ماليته وكونه ذا منفعة فلا مانع من كونه وقفا مع ذكر الأمد وخروجه عن ملك الواقف حيث إنه كما أن الحبس الأبدي لا يلائم مع بقاء الملكية والمالية للواقف عند العقلاء كذلك لو حبس ما لعمره أمد إلى آخر عمره لا يلائم حبسه كذلك مع بقائه