وجاء الحق - سعيد أيوب - الصفحة ٥١
منزل من عند الله، والحال أن معه شاهدا منه يشهد بذلك عن بصيرة، والحال أن هذا الذي هو على بينة سبقه كتاب موسى إماما ورحمة، فليس ما عنده من البينة ببدع من الأمر غير مسبوق بمثل ونظير، بل هناك طريق مسلوك من قبل يهدي إليه كتاب موسى، وقد ذكر الله - تعالى - كتاب موسى بالإمام والرحمة في موضع آخر، وهو قوله تعالى: (ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين) [الأحقاف: 12].
وإذا كان صدر الآية، وهو قوله تعالى: (ويتلوه شاهد منه)، قد ورد في تفسيره أن المراد بالشاهد علي بن أبي طالب، فإن قوله تعالى: (ومن قبله كتاب موسى إماما) يرى في ظلاله منزلة هارون من موسى عليهما السلام، لأن موسى سأل ربه - جل وعلا - أن يؤيده بهارون ليشهد له شهادة الموقن البصير على أن الذي جاء به هو من عند الله، وهو قوله - تعالى - حاكيا عن موسى قوله: (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون) [القصص: 34]، قال ابن كثير: " سأل ربه أن يرسل معه هارون وزيرا ومعينا ومقويا لأمره، يصدقه في ما يقول ويخبر به عن الله تعالى، لأن خبر الاثنين أنجح في النفوس من خبر الواحد " (1)، ويمكن القول: إن الآية الكريمة يرى في ظلالها المنزلتان، منزلة علي بن أبي طالب وهو من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومنزلة هارون وهو من موسى عليهما السلام.
ومن الآيات التي تلقي بظلالها على منزلة علي من رسول الله قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) [الرعد: 7]، وروي عن علي أنه قال:
" رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنذر، وأنا الهادي " (2)، وفي لفظ: " والهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه "، وروي لما نزلت الآية، وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على صدر علي وقال: " أنا المنذر، وأومأ بيده إلى منكب علي وقال: أنت .

(١) تفسير ابن كثير: ٣ / ٣٨٨.
(٢) رواه ابن أبي حاتم، كنز العمال: ٢ / 441.
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست