مدافع الفقهاء ، التطرف بين فقهاء السلف وفقهاء الخلف - صالح الورداني - الصفحة ٦٨
ويواصل ابن حزم إطلاق مدافعة على فقهاء وحكام عصره بقوله: والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية لأمورهم لبادروا إليها فنحن نراهم يستنجدون بالنصارى ويمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم ويحملونهم أسارى إلى بلادهم، وربما أعطوهم المدن القلاع طوعا، فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفا من سيوفه..
ويصف ابن حزم حالة الانهيار الاجتماعي وتفشي الفساد وسيادة الحرام في عصره حتى أصبح كأنه ليس للفقهاء دور بقوله: إنا لا نعلم لا أنا ولا غيري بالأندلس درهما حلالا ولا دينارا طيبة يقطع على أنه حلال.. (2) وكان من نتيجة هذا الموقف المتشدد من قبل ابن حزم تجاه الفقهاء ومذهبهم المالكي وأنصارهم أن حرض الفقهاء الحكام عليه وسعوا لدى المعتضد بن عباد حاكم أشبيلية الذي أمر بجمع كتب ابن حزم وإحراقها علانية..
ورد ابن حزم على هذه الحادثة شعرا يقول:
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي * تضمنه القرطاس بل هو في صدري يسير معي حيث استقلت ركائبي * وينزل إن أنزل ويدفن في قبري دعوني من إحراق رق وكاغد * وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري (3) وقد استمر ابن حزم في موقفه المعادي للمخالفين من الاتجاهات الأخرى ولم تؤثر فيه تلك المدافع ذات القذائف الثقيلة التي أطلقها عليه خصومه..
يقول ابن حزم: إنا لما تدبرنا أمر طائفتين ممن شاهدنا في زماننا هذا وجدناهما قد تفاقم الداء بهما..
فأما إحداهما فقد حلت المصيبة فيها وبها، وهم قوم افتتحوا عنوان أفهامهم وابتدأ دخولهم إلى المعارف بتعلم علم العدد وبرهانه وتخطيه إلى تعديد الكواكب وهيئة الأفلاك، وكيفية قطع الشمس والقمر انتقالها من الأجرام العلوية وإعظامها وأبعادها والطبيعة وعوارض الجو ومطالعة شئ من كتب الأوائل وحدودها. فلم تلق هذه الطائفة المذكورة من حملة الدين إلا قوما لا عناية لهم بشئ وإنما عنيت من الشريعة بأحد ثلاثة أشياء.

(1) أنظر الرد على ابن الغريلة اليهودي ط بيروت تحقيق الدكتور إحسان عباس (2) رسالة التلخيص لوجوه التخليص وهي ملحقة بالكتاب السابق ذكره.
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست